رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هلك شعبى من عدم المعرفة


لقد كتبوا ونبهوا ما تكاسلوا.. قالوا فى المنتديات، ونظموا المؤتمرات، وواجهوا ما خشوا لومة لائم .. لبوا كل دعوات المشاركة فى تطوير الخطاب الدينى، وانضموا لجماعات مناهضة التمييز، وما غابوا عن صفحات الرأى والكتابة فى مجال إصلاح إدارة مؤسستهم الدينية العتيدة لأنهم آمنوا بأهمية تفعيل دور الكنيسة المصرية الروحى والوطنى...

... وأكدوا على انعكاس ذلك الدور فى دعم مفاهيم السماحة والانتماء والمواطنة ونبذ التعصب وتشكيل وجدان شباب.. هؤلاء تعرف عليهم المجتمع الكنسى بشكل خاص، والمجتمع المصرى بشكل عام تحت مسمى «التيار العلمانى»، وكان قد جمعهم ما طرحوه من فكر مشترك عبر العديد من المناسبات والمشاركات الفكرية، ومنذ اليوم الأول لفكرة وتحديد إطار عمل التيار وحتى انضم إليهم آخرون منهم كاتب هذه السطور كان واضحاً اتساق الرؤى العامة فيما بينهم وإن اختلفوا فى تفاصيل ما فى مجال خطوات وآليات العمل واختيار الأولويات وسبل التشابك الإيجابى المفيد والفاعل مع مواقع الضعف فى الأداء الكنسى لتقديم أطروحات للتصويب وتجاوز المشاكل التى شكلت سواتر صادة مانعة توقف أى تيار يتدفق نحو الإصلاح ..

وإذا كان من المعلوم أن الكنيسة إكليروس «رعاة وخدام بكوادر كنسية مختلفة» وشعب «علمانيون» فى وحدة واحدة لابد أن تكون متماسكة روحياً وإنسانياً فى علاقة دائمة يسودها المحبة والترابط ويحكمها تعاليم وثوابت المسيحية البسيطة، والسماحة التى هى عنوانها الرئيسى، والغفران الذى علمنا إياه السيد المسيح، وطالبنا أن نعظم بيننا ثقافة الغفران عبر نص الصلاة الربانية، وطالبنا أن نرددها فى كل حين، وهو الذى وعدنا بقبول طلب المغفرة مهما تعاظمت الخطايا ومهما تأخر الطلب .. وقالها لنا السيد المسيح واضحة جلية «فما يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى» ..لا شك أننا نعيش زمناً وظروفاً ومتغيرات تتطلب منا جميعاً «إكليروس وعلمانيين» أهل الكنيسة المصرية العتيدة أن نعود فننصت لآيات الكتاب المقدس فى قراءة متأنية لتحريك القلوب والعقول البليدة التى تكلس ما فوقها وما تحتها فتجمدت القراءة عند دلالات لفظية تم تلقينها من جيل إلى جيل دون تأمل الرسالة الأسمى والأعظم لتوصيات وتعاليم السيد المسيح المدعمة بالأمثلة التى لا تسمح بالتوهان والضياع وتفتيت المؤمنين والزعم بأن هؤلاء من أبناء الكنيسة وآخرون يأملون تصويب مسارات وسلوكيات من يديرون العمل الكنسى على غير حق !

لقد كان ينبغى إعمال الاتفاق على أن «اجعلوا الشجرة جيدة وثمرها جيداً، أو اجعلوا الشجرة ردية وثمرها ردياً، لأن من الثمرة تُعرف الشجرة» .. وأرى عبر هذا التفهم ضرورة الانتباه بعين الاعتبار لإعادة صياغة منظومة الإدارة الكنسية والتوافق على معايير النجاح فى مدى تحقيق التواصل بين الكنيسة وشعبها ..

لقد باتت أخبار الكنيسة وراعيها الأكبر وأساقفتها وكهنتها ـ للأسف ـ عناوين رئيسية ومانشيتات لصحف الإثارة وفقرات ساخنة لبرامج الهواء المسائية عبر اختراق إعلامى غير مسبوق فى استجابة لشهوة الظهور الإعلامى من قبل بعض قيادات المؤسسة الدينية حتى صار معلوماً أن هناك توليفة صحفية متكررة نلحظها على الصفحات الأولى لضمان أعلى توزيع .. تتمثل عناصر تلك التوليفة فى عرض فضيحة جنسية أو أخلاقية، وخبر رياضى مثير، وورقة من الملف القبطى حتى صارت عموم الصحف الصفراء تتصدرها صور.. فنانة أو راقصة مقترنة بفضيحة، ولاعب شهير متجاوز القيم الرياضية، وقيادة دينية مسيحية صاحب تصريحات صادمة فى تجاوز مسىء حتى صار الأمر مؤذياً لمشاعر الأقباط عند متابعتهم للأخبار التى قد تكون صادقة فى بعض الأحيان وكاذبة فى الكثير من الأحيان، ولا تكذيب، ولا تعامل بحرفية تليق بمكانة تلك المؤسسة الدينية الوطنية العتيدة من قبل قياداتها للتعامل مع مثل تلك الأخبار وناشريها ..

لقد كانت الكنيسة فى رأيى تسمح بقدر هائل من الممارسات الديمقراطية حتى حقب قريبة وعبر المتاح من وسائل إعلام كانت محدودة، لا ننسى على سبيل المثال فكر الرائع الدكتور سليمان نسيم فى مجلة «مدارس الأحد»، وكيف تحدث فيه عن خلل إدارى فى الكنيسة المصرية ينبغى إصلاحه، ولم تقم الدنيا، بل كانت الكنيسة وقياداتها يتمتعون بالموضوعية والسلام الداخلى والثقة فى شعبها بشكل عام والنخبة منهم بشكل خاص لتحقيق هدف ينشده الجميع للكنيسة المصرية.. وأرى أهمية إعادة تذكير المعنيين بأمر كنيستنا المصرية العتيدة بأطروحات د. سليمان وغيره من أعلام الفكر المسيحى المستقيم عملاً بآية « هلك شعبى من عدم المعرفة» .. للموضوع بقية.