رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل الزراعة المصرية مستهدفة «2»


قالت لى صديقتى المثقفة التى تعيش فى الصعيد ولا تتخلى عن أرضها الزراعية ولا عن لهجتها الصعيدية، وتقر بأن لا أحد يشعر بالفلاح ولا بالزراعة فى مصر، وأن التدهور أصاب أول ما أصاب قطاع الزراعة ومنها انتقل إلى باقى قطاعات الدولة، قالت وبالعامية الصعيدية: «يحرص الفلاح على زراعة أرضه ومن أجل السترة فيزرع نصفها قمحاً، ليوفر مؤونة البيت من الغلة ومعها تبن القمح للتحريش للمواشى، والنصف التانى لأرضه يزرعه بالبرسيم لمواشيه حتى يضمن وجود الجبنة والسمنة واللبن طول السنة وكمان يربى حتة بهيمة وبيعتبرها زى حصالة متشالة لوقت عوزة... ومع شوية الطيور المتربية على سطح الدار ماتنجطعش البيضة ولا طشة الطبيخ وأكل الزفر، وبكدة يتحقق الأمان والاطمئنان له ولأسرته طوال العام، هذه هى عقيدة الفلاح المصرى، أما عن عقيدة من لا يسامحهم الله من أنصار بلاها مصانع وبلاها زراعة وافتح الباب ع البحرى واستورد كل ماتتمناه وما لا تتمناه من بلاد برة، وصفى الشركات والمصانع وبيع بيع بيع وابنى منتجعات وشق جسور وطرق ع البحر، وبعدين ييجى قرار سياسى من قلب عواصم الاستعمار اللى لسه فاتح عينه ومتربص بينا وفى لحظة واحدة تلاقى نفسك قاعد ع الشط تبكى وتتحسر ع المصنع والغيط»، وأضافت بالصعيدية «ها هنفوق ولا لسة محتاجين خبط تانى؟!» . الله يفتح عليكى يا صديقتى جبتيها من الآخر وبالصعيدى «حنفوق ولا لسة محتاجين خبط فى دماغنا يفوقنا ولا حتى يموتنا ويريحنا»، فعندما تحدث أزمة غذائية طاحنة فى العالم بسبب الاحترار العالمى أو الجفاف أو تراجع الأمطار لأن زراعات العالم فى الأعم هى زراعات مطرية بنسبة 83% بينما لا تزيد الزراعات المروية على 17% فقط فى البلاد الجافة مثل مصر، والأمطار كما نعلم متغيرة وبيد الخالق وحده، ويوم أن يسود الجفاف فياولينا كدول عربية أو أفريقية وآسيوية، فستكون الأولوية لمن عنده فائض غذاء لسكان الغرب فقط أى من أوروبا لأمريكا ومن أمريكا لأوروبا ثم حلفائهم المقربين ويأتى الغلابة والفقراء وعبيد الاستيراد فى ذيل القائمة. انظروا واتعظوا إلى قصة النبى يوسف فى القرآن والإنجيل والتوراة، وكيف تدبر أحوال القمح فى سنوات الجفاف فجاءت الشعوب المحيطة تقف على أبواب مصر وتسألها أن تمن عليها بالغذاء والقمح؟! ولكن الوضع سيتغير بالوقوف على أبواب أمريكا أو أستراليا أو الأرجنتين أو كندا أو فرنسا، وربما روسيا وأوكرانيا وكازاخستان ووقتها سندفع الغالى والرخيص من أجل الأفواه الجائعة فى مصر والدول العربية ولن يجدى وقتها سياسات البترول مقابل الغذاء فلربما نصل إلى الذهب والبلاتين مقابل الغذاء ومقابل المياه، ومالم ندبره فى زمن الرخاء والبترول سندفع ثمنه غاليا فى زمن ما بعد النفط، لإهمالنا الزراعة كمورد طبيعى لا يبلى ولا يفنى ويستديم استدامة الحياة وندفع ثمن التفريط فى أراضينا الزراعية والبناء عليها ثم التفريط فى مياهنا للدول الطامعة المتحركة بفعل أسيادها لمحاصرة وخنق مصر كبيرة العرب وحاميتهم والتى لو وقعت لوقع العرب جميعا ولهانوا على الغير كما هانوا على أنفسهم وأهملوا العلم والعلماء وظنوا أن النعمة تدوم إلى الأبد ولم يقدروا قيمة مصر الكبيرة.

عددنا مشاكل الاكتفاء الذاتى فى المقال السابق وتبقى لنا عباد الشمس وفول الصويا واللتين ينبغى ألا تقل زراعتهما عن مليون فدان وصولاً إلى مليون ونصف المليون لتوفير زيت الطعام دون هبل زراعات الزيتون وتصديره واستيراد زيوت الطعام بثمنه لأن السوق العالمى مشبع بزيت الزيتون وبتقنيات أوروبية تراكمية عالية لا قبل لنا بها ولن ننافسهم أبداً فالأسواق للمُنتج القديم وللبلدان المتقدمة وليس للزراعات الناشئة. فول الصويا يوفر لمصر زيت الطعام النقى وكسبة الصويا التى تدخل فى مصنعات اللحوم ونستوردها وبسعر يفوق 4400 جنيه للطن مقارنة بكسبة القطن 2200 فقط، كما تدخل فى أعلاف الحيوان، ثم عباد الشمس الزيت المفضل للمستهلك المصرى وأيضا يعطينا الزيت والكسبة والأعلاف من كد عملنا وخير أرضنا، ومعهما ومع الذرة الصفراء وبذرة القطن فننتج أعلافنا الداجنة والحيوانية فيزيد إنتاجنا من الدواجن والبيض واللحوم الحمراء وتربية المواشى والزبدة والجلود والألبان ومنتجاتها ونصبح هولندا أفريقياً فى هذا المعترك ونحقق اكتفاء ذاتياً فى الذرة والأعلاف والزيوت ومعها الفول والقمح والعدس والسكر فنوفر على مصر استيراداً سنوياً للغذاء تجاوز 9 مليارات دولار، تبقى فى السوق المصرية فتدورفى فلك اقتصادنا وتقوى الجنيه المصرى وتحسن أحوال الفلاحين والقرى ونحارب الفقر والجوع وتعود مصر إلى العصر الذهبى للفلاح وسلة غذاء العرب ومالكة تكنولوجيا إنتاج الغذاء.