رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حقيقة عدم الاستقامة


- يقول الأديب والفيلسوف جون باينس فى كتابه «أُسس التعامل والأخلاق للقرن الحادى والعشرين»: تشير عبارة عدم الاستقامة إلى مواقف ذات طبيعة جانحة، ولكننى أستخدمها أساساً بمعناها الأول لتعريف عملية خداع الذات التى من خلالها يتم تحقيق أهداف مقنعة من نوع احتيالى بوسائل غير شرعية، دون نوايا سيئة ظاهرة، لأن الفرد يوسع خداعه إلى الناس من حوله بقدر ما يكذب على نفسه، وفى معناها الثانى، تشير عدم الاستقامة إلى تزييف لا واعٍ لحقيقة تصرفات المرء، التى تساعده على حماية صورته وتفادى اللوم عندما يرتكب أخطاء أو يتصرف على نحو خاطئ أو

بطريقة لا أخلاقية، وفى هذه الحالة، وعن طريق المناورات العقلية غير الشريفة، يلقى اللوم على طرف ثالث بسبب الفشل أو أنه يُقنَع نفسه بحقيقة ادعاءاته، أو ينكر أنه تصرف على نحو غير سليم، كثيراً ما يلجأ الناس عادة، لكى يُحدِثوا تأثيراً إيجابياً، إلى تزييف صورهم بشكل مثير عندما يريدون إغراء البعض .

- إن التزييف العقلى للواقع هو ما أدعوه عدم استقامة، للتعبير عن حقيقة أن الفرد لا يكيف سلوكه مع الواقع الموضوعى، متهرباً من بذل الجهد الذى يتطلبه ذلك، وعلى عكس ذلك، عقلنة الحياة وأحدثها وفقاً لمعيار الانغماس المعاند فى الملذات، والبحث دائماً عن الطرق المختصرة المضللة .

- يتضح هذا بحقيقة أن الأكثرية الكبيرة من عوامل الدفع اللاواعية غير أخلاقية، بمعنى أنه إذا تدفقت هذه العوامل بحرية، فإنها سوف تنتهك، بشكل مكشوف، المبادئ الرئيسة، الأخلاقية والأدبية، التى هى عادة سبب كبتها، ولكن جزءاً منها يعبر عوائق الوعى الأخلاقى، متنكراً بقناع الأغراض الشريفة، وهذا يعلل سبب تأكل النوايا الطيبة بصورة خفية وبطريقة ماكرة وينتهى الفرد إلى الاحتياج دون حاجة، أو الخداع، أو الاحتيال، أو إيذاء الآخرين، ولكن بطريقة متقنة ليس من السهل إثباتها، والأكثر احتمالاً أن يحتفظ مدبر هذه المكائد إلى ما لا نهاية بقناعته فى أنه شريف، حتى أنه يجب عليه أن يُقنِع نفسه، بأى ثمن، بأن دوافعه نظيفة، مهما كانت قذرة فى الواقع، بهدف المحافظة على صورته نظيفة لامعة، مستخدماً جميع الوسائل الماكرة لواقعه الداخلى، لتبرير تصرفاته، إما بإنكارها أو بإلقاء اللوم على الآخرين من أجلها، الشخص غير المستقيم هو محتال الحياة، غشاش رخيص، كسول، يبحث دائماً عن السبيل السهلة، ولكنه، فى النهاية، سيكون ضحية مناوراته الخاصة .