رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التحول الجنسي.. أكثر قضية مسكوت عنها في العالم العربي.. ارتفاع نسب الإقبال عليها بين الفتيات للهروب من الواقع والتحرر من الطبيعة والظلم وعدم المساواة

جريدة الدستور

التحول الجنسي عملية معقدة علميا وطبيا. وهي تعتبر من الثورات في عالم الجراحة، إذ تعالج حالات مرضية مثل اضطراب الهوية الجنسية أو الاختلال الهرموني الجنسي، وحينها تسمى العملية التصحيح الجنسي. وهو الاسم الذي يراه الأطباء أقرب لوصف العملية من التحول الجنسي الذي يتم أحيانا استجابة لرغبة الشخص وليس لضرورة صحية.

غير أن عامة الناس وخاصة في المجتمعات العربية المسلمة لا يدركون الفرق بين الاسمين، وكثير من رجال الدين والفقهاء يعتبرون هذه العمليات، خاصة تلك التي تأتي استجابة لرغبة في تغيير الجنس لا لمعالجة مرض جنسي، من المحرمات في الدين الإسلامي، بما أنها تمثل اعتراضا على خلق الله وتشويها له.

وخلال الأسبوع المنقضي طفت قضية التحول الجنسي في العالم الإسلامي مجددا على السطح، بعد تناقل وسائل إعلام دولية أخبارا عن وجود ثمانية ذكور بصفوف منتخب السيدات الإيراني لكرة القدم، لكن هذه الفضحية التي هزت أركان الاتحاد الإيراني لكرة القدم ليست الأولى من نوعها خاصة في الفرق النسائية التي تشارك في البطولات الآسيوية أو العالمية لتمثيل إيران.

وترجع فصول هذه الفضيحة الجديدة القديمة إلى عام 2008، حين صرّح رئيس أحد الأندية الإيرانية وإثنتان من المدربات وجود لاعبين ذكور في صفوف المنتخب الإيراني للسيدات، لكن الاتحاد الإيراني وصف هذه الادعاءات حينها بالكاذبة.

ونفى الطرف نفسه مجددا بشدة ما تردد عن وجود عدد كبير من اللاعبين الذكور ضمن منتخب الكرة النسائية الإيراني هذا العام.

وقال مصدر مقرَّب من لاعبات الكرة النسائية، إن هناك لاعبات أجرين جراحات التحوُّل الجنسي، لكنهن لا يزلن يشعرن بميول ذكورية، وأن بعضهن لم تم تنجح عندهن عمليات تغيير الجنس، وهكذا تم توجيه الفضيحة السياسية الرياضية إلى مسائل جنسية وصحية، وهو ما لا تجد فيه السلطات الفارسية حرجا بما أن القوانين الإيرانية تسمح بإجراء عمليات تغيير الجنس منذ عام 1979 بناء على فتوى لآية الله الخميني.

ومهما كانت التفسيرات والتعلات التي ستصدر عن الجهات الإيرانية المسؤولة عن قطاع الرياضة، فهي لن تحجب عن أنظار العالم معاناة الرياضيات الإيرانيات من سطوة دولة لا تؤمن بأن للمرأة الحق في ممارسة الرياضة.

وهي عينة من القهر الذي تعيشه المرأة الإيرانية تحت عباءة الملالي، حيث تسلب حرياتها وتستكثر عليها صفة الإنسانية، لدرجة أنها استكثرت على نفسها صفات الأنوثة وعزفت عن رؤية جوانب الجمال والرقة والأمومة التي تحملها أنوثتها، وأصبحت ترى في التحول الجنسي حلا للهروب من عالم القمع الذي تعيش فيه لكونها امرأة.

هذه النظرة إلى التحول الجنسي على أنه أداة للخلاص من الأنوثة وتحرير النفس مما تجلبه هذه الصفة من متاعب في الحياة ومن ظلم ولا مساواة ومن استضعاف ونظرة دونية تجرّد المرأة من أبسط حقوقها لا تقتصر على الرياضيات ولا على الإيرانيات بل تشمل كل امرأة تشعر بالحيف والظلم، فقط لكون جنسها أنثى وتضم خاصة النساء في العالم العربي الإسلامي اللاتي يعشن في ظل عائلات متزمتة وفي كنف مجتمعات ذكورية ترفع شماعة الشريعة الإسلامية لترخّص لنفسها وأد أحلام النساء.

وخلال السنوات الأخيرة لوحظ ارتفاع نسب الإقبال على عمليات التحول الجنسي في الدول العربية بحسب الإحصائيات الصادرة عن وزارات الصحة، كما لم تعد هذه الجراحات تجرى فقط في الدول الأوروبية ولم تعد تخضع لدرجة عالية من التكتم والسرية، كما في السابق.

وبحسب وزارات الصحة في الدول العربية المسلمة التي تجيز إجراء هذه النوع من العمليات مثل المملكة العربية السعودية ومصر، فإن ازدياد أعداد القائمين بها يرجع إلى سببين رئيسيين أولهما ارتفاع الحالات المرضية التي تشكو من اضطراب الهوية الجنسية، وثانيهما قبول المجتمع لهذا النوع من العمليات على أنها علاج لمرض خلقي.

وبعيدا عن الجانب العلاجي والصحي وعن الشذوذ الجنسي والأمراض النفسية الخطيرة التي قد تدفع الإنسان إلى القيام بعملية التحول الجنسي اضطرارا، هناك من يختار وفق لقناعات شخصية القيام بعملية التحول رفضا للواقع وسعيا لتغيير حياته بشكل كامل.

ولئن اختلفت هذه الدوافع بحسب الجنس والإطار الاجتماعي والثقافي والبعد الديني وما يحمله ذلك من دلالات على اختلال التوازن بين الجنسين في المجتمع العربي المسلم، فإن أسئلة عديدة تطرح حول إقدام المرأة والفتاة العربية على القيام بعملية تحول جنسي رغم معرفتها لمخاطرها الصحية وتأثيراتها الاجتماعية التي قد تصل إلى نبذها من قبل عائلتها ومجتمعها، وهل يمكن أن تتخلص المرأة من طبيعتها نتيجة للضغوط والقيود الاجتماعية بالتحول إلى ذكر؟

معاناة الفتاة العربية في المجتمعات العربية المسلمة من الحيف والظلم وحرمانها أحيان من أبسط حقوقها ومن أغلبها ومقارنتها لما تلقاه من صدّ اجتماعي بما يلقاه الذكور من محيطها من اهتمام وتبجيل ومساعدة، يدفعها إلى تمني أن تكون مثلهم وتتمتع بما يتاح لهم لأنهم ذكور ورجال.

هذه المقارنة التي عادة ما تكون نتائجها صادمة للفتاة لما تكشفه لها من لا مساواة ومن غياب للعدالة حتى في محيطها الأسري الذي من المفترض أن يكون منصفا لها، تجعل تفكيرها ينصب على أن تبلغ الحظوة التي يكتسبها الذكور.

يضاف إلى ذلك ما تعانيه من تشدد وتزمت في الفكر المحيط بها الذي يرمقها دوما بنظرة الدونية ويعتبرها كائنا ناقصا، ومع تقدمها في العمر وبلوغها سن المراهقة والشباب يزداد رفضها لواقعها ولما تلقاه من أقرب الناس لها من مس من كرامتها وإنسانيتها، وهو ما يدفع كثيرات نحو الرغبة في تغيير جنسهن.

في المقابل قد لا تطرح حاملات هذا التفكير السؤال حول جدوى التحول الجنسي في تخليصهن من ربقة القيود والضغوط الاجتماعية، وقد يغطي اندفاعهن نحو تغيير واقعهن إلى التغاضي عن الإجابة، حيث تلاقي عديد حالات التحول الجنسي من أنثى إلى ذكر (حتى لأسباب صحية بحتة) نبذا ورفضا من محيطها العائلي والمجتمعي، وقد تجد نفسها أمام نظرة أكثر ازدراء لكونها متحولة جنسيا قد تنسحب عليه الأحكام الأخلاقية التي يوصف بها المتحولون جنسيا، وهو ما ينتج عنه صعوبات في الاندماج الاجتماعي والزواج وبناء أسرة عادية.