رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر وروسيا .. وتصحيح البوصلة السياسية



توازن علاقات مصر الدولية، وعلاقة مصر بأى دولةٍ ليست 
على حساب علاقتها بأى دولةٍ أخرى، وعلاقة مصر بالولايات المتحدة الأمريكية علاقة وثيقة ولا يمكن أن تتأثر بتنامى علاقاتها مع الشرق. كل تلك ومثلها من العبارات الدبلوماسية الجميلة قِيلت، وكان يجب بالفعل أن تُقال بمناسبة التقارب الإيجابى الملموس الذى تحقق بعد ثورة 30 يونيه بين مصر وكتلة الشرق وعلى رأسها دولة روسيا الاتحادية .

وفى واقع الأمر فإنه مع التسليم بمتغيرات العصر والانفتاح العالمى الذى جعل الكون كله وكأنه قرية واحدة، وهو ما يفرض على جميع الدول إقامة علاقات متوازنة فيما بينها كافة لتحقيق المصالح المشتركة، إلا أننى أعتقد أن إعادة ودعم وتنمية العلاقات «المصرية -الروسية» وهى الملحمة التى يقودها باقتدار الرئيس عبدالفتاح السيسى- تتجاوز ذلك بكثير ولها أبعادٌ أكبر وأعمق من مجرد علاقاتٍ دوليةٍ طيبةٍ نحرص عليها مع كل الدول .وحتى نتدبر الأمر بشىء من الإيضاح نعرض للنقاط الموجزة التالية: «1» رغم أن مصر لم تقطع علاقاتها مع أىٍ من الدول الغربية أوالولايات المتحدة رغم كثيرٍ من الظروف التاريخية الصعبة التى كانت تجيز ذلك، فإن الذاكرة المصرية ستظل مليئةً ومثقلةً بالصفحات السوداء عن توجهات وسياسات وممارسات تلك الدول تجاه مصر بل وتجاه الأمة العربية بأسرها، وهو الأمر الذى شخّص فى النهاية الولايات المتحدة الأمريكية بالذات كرأس الأفعى التى لا يُنتظر منها شهداً، أو كشيطانٍ مارجٍ لا يبغى إلا شراً وفساداً. «2» من خلال التدقيق المتأنى فى كل المواقف الأمريكية عبر العقود الطويلة الماضية، والظروف المريرة التى عانت منها مصر فى ظل علاقتها المفروضة مع تلك الدولة الباغية، نستطيع تبين أن بواعث عداء تلك الدولة لمصر وللامة العربية ليس مجرد نوازع استعمارية ورغبات فى الهيمنة والسيطرة واستلاب الثروات والمصالح فحسب، ولكنه عداء يقوم فى المقام الأول على ركائز عقائدية خاطئة أصبحت راسخةً فى الوجدان الأمريكى، وهنا مكمن الخطر الاكبر لأن السياسة الامريكية بُنيت على عقيدة فاسدة مؤداها أن الأمة العربية أو بالأحرى الإسلامية هى بؤرة الشر التى يجب محوها من الكون، وأن دولة إسرائيل اليهودية هى واحة الأمان للبشرية ويجب دعمها لتظل أقوى من الجميع حتى اليوم المعلوم فى آخر الزمان المنتظر. إن هذه العقيدة الخربة التى تحكم السياسة الأمريكية هى ما جعلت إسرائيل بمثابة الابن الوحيد المدلل للإدارات الأمريكية، ولم تكن المصالح الاقتصادية والسياسية والعسكرية لأمريكا هى السبب، فهى مصالح يمكن أن تكون لها لدى العرب بأكثر مما لدى إسرائيل. «3» كانت ثورة 23 يوليو 1952 تعبيراً حقيقياً عن إرادة الشعب وإفصاحاً عن مكنونه الذهنى الذى اختزنه فى وجدانه عبر تاريخه الطويل، والذى أدرك من خلاله أن الولايات المتحدة الأمريكية لا يُمكن أن تكون صديقاً مخلصاً - وأكرر مخلصاً - مهما كانت الظروف ومهما طال الزمان، وأنها فى أحسن حالاتها إذا أعطت فإنها لا تكتفى بالمقابل فقط المقبول بمنطق المصالح التى تحكم العلاقات الدولية ولكنها تفرضُ بهذا العطاء أيديولوجياتها الخاصة على الشعوب، فى حين أن القطب العالمى الثانى لا يطلب ولا يهدف إلا لتحقيق المصالح المشتركة بعيداً عن أى أيديولوجيات خاصة، بل إن كيانه وقطبيته تقوم بالدرجة الأولى على علاقته بالدول العربية وعلى ورأسها مصر، ومن هنا استطاعت مصر بثورتها الرائدة أن تحدد من هو الصديق الاستراتيجى وأيضاً من هو العدو الاستراتيجى، إلى أن جاءت حقبة السبعينيات فانقلب الحال رأساً على عقب. «4» حينما استرد الشعب وعيه وهب بثورته فى 30 يونيه 2013 وكان من أهم أهدافها التحرر من الهيمنة الأمريكية وإعلاء السيادة الوطنية والقضاء على الخونة والمتآمرين على الوطن، كان منطقياً وتحقيقاً للأهداف الثورية أن تعود العلاقات المصرية الروسية إلى سابق عهدها، وهو ما يُعد تصحيحاً واجباً وحتمياً فى بوصلة السياسة المصرية من أجل أمنها القومى وسيادتها الوطنية مهما كانت المخاطر والتحديات. إن إدراك أهمية إقامة علاقة استراتيجية قوية مع روسيا وعدم اعتبارها كأى علاقاتٍ دوليةٍ أخرى قد تتماثل أو تتشابه، يدعونا لليقظة لكل العدائيات المحتملة التى لن تكف عنها قوى البغى والعدوان . حفظ الله مصرنا الغالية، وهدانا جميعاً سواَءَ السبيل.