رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السياسات الحكومية تهدد استقلال الإرادة الوطنية


هل قرأ أى مسئول حكومى أو حلل المشهد السياسى للوضع الداخلى والإقليمى والدولى؟ هل قرأ تجارب بلدان العالم والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى دول العالم الثالث وكيفية صعود بعض هذه الدول إلى مصاف الدول الكبرى، بل تحقيق بعضها التقدم الاقتصادى، والذى جعلها بين أقوى عشر دول اقتصاديا فى العالم مثل البرازيل والهند والصين؟

هل درس أى مسئول حكومى كيف أن السياسات السابقة للنظم اليمينية المنحازة لليمين الرأسمالى الفاسد فى دول أمريكا الجنوبية، ومنها البرازيل وفنزويلا والأرجنتين، تلك السياسات التابعة للدول الرأسمالية المتوحشة المعسكرة وعلى رأسها أمريكا أدت إلى فساد مالى وإدارى بالبلاد، وأدت إلى تركز السلطة ورأس المال فى يد قلة احتكارية فاسدة، مما زاد من الفجوة بين هذه القلة وبين الطبقات الشعبية التى كان نصيبها الفقر والبطالة والأمية؟ هل قرأ أى مسئول حكومى نتائج اعتماد هذه الدول على الاقتراض من صندوق النقد الدولى بقروض مشروطة بالتقشف وتقليل ميزانيات الصحة والتعليم والخدمات، مما أدى إلى ارتفاع الديون الخارجية وهدد البلاد بمزيد من التبعية والإفلاس؟ وها هى اليونان تخضع الآن أمام أعيننا للتقشف الشديد وخصخصة الأصول الوطنية سدادا للديون الحكومية؟ هل قرأ أو درس أى مسئول تجربة البرازيل بعد مجئ لولا دا سيلفا للحكم عام 2002، حيث أجرى تحقيقات جادة ضد الفساد الذى نمى واستفحل فى عهد الديكتاتوريات الرجعية، وانتهت تلك التحقيقات بصدور أحكام بالسجن وعقاب الفاسدين ناهبى المال العام؟

وينبغى هنا التوقف لنشير إلى حكومة الدكتور إبراهيم محلب وإصدارها لقوانين وقرارات بالمصالحة مع الفاسدين. هل تعمق أى مسئول فى دراسة تجربة البرازيل التى قامت على رفض مزيد من القروض وانتهجت سياسات قامت على رأسمالية الدولة وتعبئة الموارد الذاتية ووضع خطة تنمية إنتاجية شاملة أدت إلى الخروج من الأزمة وسداد الديون الخارجية، والتى بلغت فى ذلك الوقت 200 مليار دولار، كما طبق لولا دا سيلفا سياسات كانت الدولة فيها مراقبا لحركة رأس المال فى إطار من الشفافية ومراعاة الأبعاد الاجتماعية، بالرغم من محاولة اليمين الرأسمالى الاحتكارى زعزعة استقرار البلاد والوصول إلى البرلمان وتعطيل الموافقة على القوانين الصادرة لصالح أغلبية الشعب وصالح بناء البلاد.

هل قرأ أى مسئول حكومى ودرس تجربة فنزويلا وتصدى هوجو شافيز لكل مؤامرات اليمين الداخلى التابع والمدعوم من الإمبريالية الأمريكية، التى حاولت بشتى الطرق الانقلاب على حكم شافيز بتحريك الجماعات اليمينية ودعمها بالمال ووسائل الإعلام؟ ورغم ذلك لم تستطع، لأن الشعب وقف بشدة مع شافيز الذى انحاز لمصالح الطبقات الشعبية الفقيرة. وجاء بعد وفاته نيقولاس مادورو، والذى وقفت وراءه الطبقات الشعبية وانتخبته رئيسا للبلاد فى مواجهة محاولات عودة اليمين الرأسمالى بالوسائل المتعددة.

أعتقد أن الحكومات المصرية المتعاقبة منذ ثورة 25 يناير 2011 وحتى الآن مازالت تنتهج من حيث الأساس سياسات نظام الرئيس المخلوع مبارك، والتى أدت نتائجها إلى ثورة يناير ثم استكمالها فى ثورة يونيو. إن سياسات الحكومة الحالية مازالت تعتمد على الاقتراض من الخارج رغم أن شروط هذه القروض كما نعرف هى تقليل الإنفاق الحكومى على الصحة والتعليم، وأن تلك القروض تؤدى إلى مزيد من الديون على الأجيال الحالية والأجيال القادمة، وأن هذه الحكومة لا تعمل على تعبئة الموارد الداخلية. تلك السياسات التى تضع سياساتنا الاقتصادية الداخلية تحت رحمة الدائنين من الدول والمؤسسات المالية الكبرى وتفقدنا استقلال الإرادة الوطنية.

إن الحكومة الحالية تنحاز وبجدارة إلى فئة الرأسماليين الاحتكاريين الذين يتحكمون فى الإنتاج والتصدير والاستيراد وتحديد أسعار منتجاتهم بشكل احتكارى وأرباح خرافية تصل إلى 300% فى سلع مثل الأسمنت والحديد والسماد والسيراميك، ومافيا الاستيراد تعتمد على عدد قليل من رجال الأعمال يتحكم فى استيراد السلع الأساسية، ومنها القمح والقطن واللحوم و الدواجن، مما يهدد الصناعات الوطنية ويهدد الزراعة المصرية ووضع الفلاح المصرى. هذا غير السياسة المرتعشة والبطيئة فى مواجهة الفساد والفاسدين فى المؤسسات الحكومية، واستمرار اللوائح والقوانين التى تم وضعها فى عهد نظام الفساد، تلك السياسات التى تؤدى إلى الاستيلاء على المال العام وإهداره بغير حساب، بجانب القوانين التى تم وضعها أخيرا كما أوضحنا فى مقالات سابقة «قوانين تحصين الفساد فى عقود الدولة، وقوانين المصالحة مع ناهبى المال العام عن طريق تشكيل لجنة من الخبراء يعينها رئيس الوزراء يكون قرارها ملزما للسلطة القضائية فى سابقة لم تحدث فى عالمنا فى أى مكان». وينص قانون الاستثمار على حق رئيس ومجلس الوزراء فى إعطاء امتيازات واسعة تشمل تمليك الأراضى للمستثمرين مجانا، ورد تكلفة إنشاء المرافق لهم وإعفائهم من الضرائب وغيرها. إن السياسات الحكومية الحالية تؤدى إلى مزيد من التبعية على حساب استقلال الإرادة الوطنية التى نادى بها الشعب المصرى فى ثورتى يناير 2011 ويونيو 2013.