رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"المركزي" غير قادر على التحكم في الدولار.. والأزمات تتفاقم

جريدة الدستور

* شيحة: نحن أمام مافيا تتحكم في الدولار وتتربح منه.. ويجب مراجعة السياسة الاقتصادية
* كل دولار بات يكلف المستورد 11 جنيه بالمقابل.. والزيادة يتحملها المستهلك وحده
* 10 % زيادة في أسعار السيارات و45% تراجع في معدلات الاستيراد
* صناعة الأدوية مهددة إما بتكبد الخسائر أو إيقاف الإنتاج.. وأسعار الأثاث تواصل الارتفاع
*السياسة النقدية تربك الأسواق وتهدد الاستثمار


أكثر من 6 أشهر مرت على بدء البنك المركزي المصري في سياسته لتقويض السوق السوداء للدولار والسيطرة على أسعاره، سياسات لا شك أنها أربكت الأسواق وأوقفت كثير من المصالح وتسببت في ارتفاع أسعار كثير من السلع والخامات كما حذر كثير من الخبراء، ليس ذلك فقط ولكن الدولار بعد رفع سعره أكثر من مرة ليصل إلى 7.63 جنيه وظن الكثيرين أنه وصل إلى نهاية مطافه عاد مجددًا للارتفاع ليصل إلى 7.83 جنيه.
الارتفاع الذي تم مؤخرا على دفعتين بواقع 10 قروش في كل مرة أسبق اضطراب في الأسعار بين السوق الرسمية والسوق الموازية وهو ما ينذر بعدم استتباب الأمور بعض للمركزي في السيطرة على الأسعار، على كل فأن المشكلة الأكبر الآن يبدو أنها توافر الدولار نفسه والذي يعد السبيل الوحيد للسيطرة على الأسعار وفتح أبواب الاستيراد والرزق أمام الكثير من الشركات التي تعطلت أعمالها ودحر مخاوف المستثمرين.
السياسة النقدية المتبعة مؤخرًا والتي نتج عنها ارتفاع في سعر الدولار وكذلك نقصه لا ريب قد تسببت في تخبط كثير من القطاعات وارتفاع أسعار السلع والخامات وباتت تؤثر على عمل المستثمرين ورجال الأعمال وتسببت أيضاً في ارتفاع فاتورة الواردات، ومن جهة أخرى استغلها بعض الصناع والمحتكرين في تثبيت أسعار منتجاتهم، "الدستور" ترصد في هذا الملف أبرز الأثار المترتبة على السياسة النقدية المتبعة من قبل البنك المركزي وأهم القطاعات التي تأثرت بها.

إدعاءات وسياسات فاشلة.. وآليات الحسم

قال أحمد شيحة، رئيس شعبة المستوردين، إن أزمة الدولار المستمرة والسياسات النقدية المتبعة من قبل البنك المركزي تسببت في تأخر استلام أصناف كثيرة من السلع والبضائع نظرًا لعدم تدبير احتياجات المستوردين من العملة وهو آثر بشكل كبير على الشركات بالمقام الأول نظرًا للإضرار الذي يلحقه ذلك بالالتزامات تجاه الشركات الموردة وتجاه العاملين أيضًا، مضيفًا أن ذلك بشكل عام تسبب في ارتفاع الأسعار.
وأضاف أن الوعود بحل الأزمة بمرور الوقت مجرد كلام غير قابل للتطبيق الفعلي ومبني على أساس غير متماسك ويعد دليلًا على الفشل، مشيرًا إلى أنه لا يمكن الانتظار أو التأخير في استيراد السلع الأساسية مثل المأكل والمشرب ومستلزمات الإنتاج والأدوية، مطالبًا بالإعلان عن آليات وخطط واضحة لحل المشكلة، لافتًا إلى أنه لا يوجد بدائل لموارد تمويل المركزي من النقد الأجنبي وبالتالي يجب التساؤل عن كيفية حل المشكلة.
وتابع أن المشكلة الحالية تتلخص في أن المعروض من الدولار أقل من المطلوب ولا يوجد قدرة حقيقية في السيطرة على مصدر تمويل المعروض وبالتالي ما يقال عن حسم الأزمة هو مجرد وهم بحلول لن تتم، مضيفًا أن الاحتياجات اليومية والمتطلبات الأساسية لا تستدعي الانتظار أو الصبر، مشيرًا إلى أن مصر تمتلك من الآليات والحلول ما يمكنها من حل أزمة الدولار خلال 48 ساعة فقط دون انتظار لشهور أو حتى أيام.
وأشار إلى أن تلك الآليات تتعلق بالسياسة الاقتصادية التي يجب أن ينظر لها بشكل مختلفة، حيث إن 75% من الاقتصاد المصري يتم التحكم فيه من قبل الشركات الأجنبية وبالتالي كل أرباح وموارد هذه الشركات توجه إلى الخارج ولا يمكن منعهم من ذلك؛ والحديث عن إغلاق تلك الشركات يستدعي وجود بديلًا لها أو حتى مطالبتها بالتخفيف من وطأة تحويل الأموال إلى الخارج لابد من وجود بديل، وعموما فالبدائل والحلول كثيرة وبقرارات سريعة وفورية يمكن توفير حجم كبير من النقد.
وأكد أنه يمكن توفير الكثير من النقد عن طريق الدعم حيث يوجد حوالي 300 مليار موجهين للدعم ولا يستفيد منه الطبقة المستحقة له ويستنفذ في السمسرة والعمولات، وتحويل الدعم العيني الغارق بالتلاعب والفساد إلى دعم نقدي للمحتاجين فقط سنوفر مصادر كثيرة، مضيفًا أنه من غير المنطقي تدعيم البترول لخدمة 90 مليون مواطن بينما 50 مليون منهم لا يملكون سيارات وبهذا يوجه الدعم إلى الأغنياء بينما يجب أن يوجه الدعم نقدًا لمستحقيه.
وأردف أن حتى الدعم في الصحة خرج عن نطاق ولا يستفيد منه الفقراء ويستغله السماسرة والمتعاقدين، وباتت كل أنواع الدعم لا توجه إلى مستحقيها، على الرغم من أنه يمكن توفير 150 مليار: 200 مليار ما يستنفذه أصحاب العمولات لتدعيم المستحقيين، مضيفاً أن السجائر وحدها تستنفذ 20 مليار جنيه توجه للشركات الأجنبية يمكن توفيرها بدلاً من تأخير استيراد السلع الأساسية، مؤكدًا أن بعض البنود يمكنها فقط توفير 250: 300 مليار جنيه في السنة.
ولفت إلى أن الارتفاع الذي جرى أكثر من مرة في سعر الدولار تسبب في ارتفاع أسعار السلع والمواد الخام، مضيفًا أنه حينما كان الدولار يساوي 6 جنيهات كان يتكلف المستورد 8 جنيهات بعد إضافة قيمة الجمارك والشحن وبذلك كانت التكلفة النهائية 8 جنيه تضاف إلى سعر المنتج، أما الآن فقد بلغت التكلفة 11 جنيه لكل دولار وبذلك يضطر المستوردون إلى رفع الأسعار، مؤكدًا أن المستهلك وحده هو من يتحمل هذه الأعباء ونتائج فشل الملف الاقتصادي.
وشدد على أن الضرر الأكبر وقع على كاهل المستهلك الذي تحمل ارتفاع الأسعار بكافة القطاعات سوء سلع أساسية أو استهلاكية أو استفزازية حتى؛ فارتفاع أسعار يميش رمضان تحملها المستهلك والسلع الأساسية من زيت وسكر وأرز تحملها أيضاً المستهلك وحتى في قطاع السيارات والملابس يتحملها المستهلك وحده، مؤكدًا أنه لا يوجد أحد يحقق خسائر وإدعاء ذلك كذب وافتراء ونصب على الرأي العام فلن يتحمل التاجر أو الصانع تكاليف إضافية أو خسائر للحفاظ على الأسعار.
واستطرد أن استمرار السياسات النقدية الحالية للبنك المركزي يترتب عليه مستقبلًا ارتفاع الأسعار وتراجع المعروض وانخفاض قيمة سعر الجنيه أمام الدولار، مضيفًا أن ذلك متوقع الحدوث نظرًا لتغيب الآليات التي من شأنها تقليص أزمة الدولار، متابعًا أن الاستثمار الأجنبي الذي يسحب النقد من البنوك المصرية ويسيطر على الاقتصاد بجانب الدعم المهدر أكثر من 75% منه لصالح المحتكرين والسماسرة؛ تمثل مصادر كافية لإنهاء تلك الأزمة وتدفع لتراجع سعر الدولار إلى مستواه الحقيقي عند 6 جنيه، مضيفاً: "نحن الآن أمام مافيا تتحكم في الدولار وسعره ويعملون على التجارة به وتهريبه، وهناك من حقق ثروات خلال الفترة الماضية عن طريق شراء الدولار بعملات عربية بالخارج وتهريبه للداخل وبيعه، وكانت الجولة الواحدة تحقق من 100: 200 ألف جنيه".


ارتفاع الأسعار بسوق السيارات
من جانبه قال وليد توفيق، نائب رئيس الشعبة العامة للسيارات، إن السياسة النقدية المتبعة مؤخرًا تسعى لتنظيم الاستيراد والحفاظ على العملة نظرًا لانخفاض موارد الدولة ما يستدعى تراجع استيراد السلع الاستفزازية والأخرى المتوافرة بكميات ضخمة، مؤكدًا أن ذلك أثر على كثير من القطاعات وتسبب في تراجع حجم الاستيراد 35%: 45%، ما كان سائد سواء للمنتجات الكاملة أو بمستلزمات الإنتاج.
وأكد توفيق، أن كل السلع الواردة من الخارج شهدت ارتفاع في الأسعار، مشيرًا إلى أن أغلب السيارات تباع بأسعار أعلى مما كان مخصص لها بعد ارتفاع سعر الدولار، موضحًا أن الارتفاع الذي طرأ على أسعار السيارات خلال الـ6 أشهر الماضية يتراوح بنحو 8%: 10% كزيادة في السعر الجمركي وزيادة في سعر السيارة نفسها.
وأضاف أنه من المنتظر أن يكون هناك انفراجة قريبة مع افتتاح قناة السويس الذي سيليه انتعاش في الاقتصاد المصري وربما تشهد الموارد توازن بحلول شهر نوفمبر ما ينعكس على الاستيراد بالإيجاب وكذلك قد تشهد السياحة انتعاش في تلك الفترة بخلاف عمليات الاستثمار المتوقعة بعد افتتاح القناة.

الأزمة تحرم المصريين من أسعار عادلة للحديد

قال أحمد الزيني، رئيس شعبة مواد البناء والنقل الثقيل، إن مواد البناء لم تتأثر الارتفاع في أسعار الدولار، موضحًا أن الأسمنت كل خاماته محلية بالتالي كان بعيدًا عن الأزمة وكذلك السيراميك الذي تصدره مصر فكان أحد البنود المستفيدة من أسعار الدولار، مضيفًا أن الحديد هو ما تأثر بارتفاع أسعار الدولار نظرًا لاستيراد بعض خاماته من الخارج لكن الانخفاض في الأسعار العالمية بأكثر من 30% كان له شأن في امتصاص الزيادة في سعر الدولار.
وأضاف أن أزمة الدولار دفعت منتجي الحديد المصريين للتمسك بأسعارهم التي ينبغي أن تهبط بما لا يقل عن 500 جنيها للطن.
فيما قال المهندس، داكر عبد اللاه، عضو لجنة التشييد بجمعية رجال الأعمال، إن قطاع المقاولات يعاني في الوقت الحالي من الارتفاع في أسعار المواد الخام لعدة أسباب منها الزيادة في سعر الدولار وغياب الرقابة، مضيفًا أن أحد أبرز المعوقات التي تواجه السوق هي الموقف الغريب للبنوك التي تتجاهل التعامل مع الشركات المصرية وترحب بالأجانب والعرب فقط.
وأكد أن كل ما يهم المواطن هو الحصول على منتج مطابق للمواصفات بسعر معقول سواء كان محلي أو مستورد، مطالبًا بضرورة إقامة سوق مفتوح للحديد خاصة مع إقبال مصر على ثورة للتعمير.

صناعة الأدوية

قال الدكتور، محمد البهي، رئيس لجنة الضرائب باتحاد الصناعات المصرية وعضو هيئة المكتب بغرفة صناعة الأدوية، إن أي زيادة تطرأ على سعر العملة تؤثر في أسعار السلع ومستلزمات الإنتاج، مضيفاً أن صناعة الأدوية تواجه مشكلة كبيرة في هذا الشأن كون منتجاتها تسعر تسعير جبري وقد ارتفعت التكلفة عشرات المرات في السابق وتحملها الصناع في إطار مسئوليتهم الوطنية.
ولفت إلى أن أسعار الأدوية لا يمكن رفعها بشكل منفرد وتحتاج لقرار من الوزير بتعديل الأسعار، مشيراً إلى أن 80% من مدخلات صناعة الأدوية يتم استيرادها من الخارج والارتفاع في سعر الدولار سيكون له دور مباشر في التأثير على الأسعار، مضيفاً أن كل زيادة في أسعار المدخلات يصحبها زيادة في التكلفة وبالتالي ستشهد بعض السلع التي يمكن لصناعها التحكم بأسعارها ارتفاع.
وأضاف أن مصانع الأدوية سيكون أمامها حل من أثنين إما أن تتكبد مزيد من الخسائر أو إيقاف إنتاج بعض الأدوية التي ستتأثر بارتفاع أسعار بعض الخامات، مشيرًا إلى أن الزيادة في سعر الدولار ستمثل عامل جذب للمستثمر الأجنبي حيث يرتفع العائد على الاستثمارات الأجنبية، كما تصب تلك الزيادة في مصلحة التصدير ومنظومة أسعار السلع المصدرة.
وأردف أن الأدوية والطاقة والخبز يتم تسعيرهم بشكل جبري إلا أن الطاقة والخبز يتم تدعيمهم من قبل الدولة بخلاف الأدوية التي تدعم من الصانع نفسه الذي يتحمل الزيادة في تكلفة المنتج بانخفاض أرباحه أو بتحمل الخسائر كما حدث في قطاع الأعمال، حيث حققت شركات قطاع الأعمال خسائر تفوق الـ150 مليون جنيه في ميزانية العام الماضي.
وتابع أنه تم تقديم رؤساء هذه الشركات إلى النيابة بدعوة إنتاجهم لسلع ذات تكلفة أعلى من سعر البيع ما أضطر البعض إلى أيقاف إنتاج بعض المنتجات خشية المسائلة القانونية، مضيفًا أن المنظومة بحاجة لمراجعة ومن الضروري تحريك أسعار المنتجات مع هذه الارتفاعات في أسعار العملات حفاظًا على توافر الأصناف لصالح المرضى وخاصة البسطاء وليس لصالح الشركات.

الاستثمار

أكد المهندس بهاء العادلي، رئيس جمعية مستثمري بدر، أن الزيادة في سعر الدولار ستؤثر على أعمال الصناع والمستثمرين، مضيفاً أن ليس فقط هذا الارتفاع وإنما السياسة النقدية بشكل عام تؤثر في هذه الأعمال.
وأشار إلى أن مستلزمات الإنتاج تصل إلى الجمارك ومن ثم يتم التقدم بطلب للبنوك لتدبير العملة المطلوبة للإفراج عن البضائع وهو ما يتطلب وقت ويتسبب في تأخير كبير وفي حالة حدوث ارتفاع في سعر العملة تزداد تكلفة البضاعة علاوة على غرامات التأخير واجبة السداد، وهو وضع يمثل مشكلة كبيرة للمستثمرين.
وتابع أن التأخير في تدبير العملة وسياسة الإيداع والصرف بالعملة الأجنبية وعدم استقرار سعر الصرف باتوا يمثلوا مشكلة كبيرة وتهديد حقيقي، مؤكدًا أن ارتفاع سعر الدولار سينعكس على أسعار المنتجات بالسوق، مشيرًا إلى أن عدم الاستقرار في سعر الصرف دوما ما يناظره عدم استقرار في الأسواق ما يصحبه ارتفاع في الأسعار.


ارتفاع أسعار الأثاث يتحملها المستهلك

قال محمد شبراوي، نائب رئيس غرفة صناعة الأثاث، إن قرارات البنك المركزي مؤخرًا برفع سعر الدولار كارثية وستتسبب في ارتفاع أسعار كثير من السلع ومستلزمات الإنتاج، مضيفًا أن قطاع الأثاث يستورد جميع خاماته بالدولار واليورو، مؤكدًا أن تجار الأخشاب لا يلتفتون لسعر البضاعة، وإنما إلى محتوى مخازنهم والبضاعة المتوافرة لديهم ما سيدفعهم إلى بيع المتوافر لديهم بالأسعار المرتفعة ليتمكنوا من شراء مستلزماتهم وفق الأسعار الجديدة.
وأضاف أن مصر شهدت مرحلة مماثلة في عهد الدكتور عاطف الصدقي والذي اتخذ كثير من الإجراءات والتدابير اللازمة لاستقرار الأوضاع والحفاظ على الأسوق إلا أنه تمكن من العبور خلالها دون أي رفع بالدولار ووصلت حينها الفوائد على الودائع وصلت إلى 17.5%، متابعًا أن سعر الدولار وصل إلى 8 جنيهات الآن وغير معلوم ما سيطرأ من تغيرات في الوقت القادم.
وتوقع ارتفاع أسعار مستلزمات الأخشاب بما يتراوح بين 15: 20%، مشيرًا إلى أنه خلال عام ونصف شهدت الأسعار ارتفاعات كثيرة نظرًا للزيادة التي طرأت على سعر الدولار خلال تلك الفترة، مضيفًا أن خدمات وسلع كثيرة بعيدًا عن قطاع الأخشاب ستكون مرشحة للزيادة بسبب ارتفاع سعر الدولار.