رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هيبة الشرطة.. ومسئولية وزير الداخلية


كنتُ فى حلٍ من الحديث فى هذا الموضوع وقد انتهت علاقتى الوظيفية بوزارة الداخلية منذ سنواتٍ طويلة، كما لاتربطنى أىُ صلةٍ بالضباط الذين سبق اتهامهم فى القضية المعروفة إعلامياً بمذبحة ستاد بورسعيد، ولكن الحقيقة أن أهمية الموضوع تتجاوز أى علاقة بوزارة الداخلية وأبنائها، كما أنه حديثٌ بعيد تماماً عن دائرة التعليق أو الطعن على الأحكام القضائية فذلك له طريقٌ آخر...

 إن حديثى اليوم عن هيبة الشرطة لأنها تمثل 70% من مقومات ودعائم أجهزتها المختلفة فى أداء مهامها وتنفيذ واجبها وتحقيق رسالتها السامية فى تأمين الوطن والمواطن وإقرار الأمن والسكينة والاستقرار، وهى رسالة فى مجملها تشكل محوراً رئيسياً من محاور الأمن القومى، وهى مكنونٌ معنوى يُرسخ فى وجدان الناس - وفى آنٍ واحد - مشاعر الحب والتقدير والاحترام والرهبة تجاه الأجهزة الأمنية، ويخلق صورة ذهنية عن قدراتها قد تفوق قدراتها الحقيقية،ولذلك فإن أجهزة الأمن فى العالم كله لا غنىٰ لها ولا مردود لعملها مهما كانت إمكانياتها المادية دون تلك الهيبة المناسبة لمجتمعها، فمثلما يعتمد القاضى على ما له من سلطات وحصانة والطبيبُ على ما له من علمٍ وخبرة والفنانُ على ما له من موهبةٍ وقبول، فإن أجهزة الأمن تعتمد بقدرٍ كبير على ما لها من هيبةٍ ومكانة فى نفوس المواطنين.إن هذه الهيبة بأهميتها العملية تدعونا جميعاً للحرص على توافرها لأجهزة شرطتنا الوطنية والمحافظة عليها وإعلاء قدرها مهما كانت إخفاقات تلك الأجهزة أو تجاوزاتها، وذلك بالطبع لا يعنى إطلاقاً التغافل أو التغاضى عن أى خطأ أو انحراف لتلك الأجهزة، ولكن الحساب والعقاب يجب أن يكون بالكيفية التى لا تنال من هيبتها المفروضة ولا يهدم الروح المعنوية لأبنائها .من ناحيةٍ أخرى فإننى أرى أن استسهال الزج برجال الشرطة كمتهمين فى الوقائع الإجرامية التى يتصدون ببسالة لمواجهتها، مع ما قد يلى ذلك من صدورأوامر بحبسهم احتياطياً مع التناول الإعلامى الجانح لمثل تلك الأحداث، يُمكن بل ومن المؤكد أن ينال كثيراً من هيبة الشرطة ويحط من قدرها ويُثبط عزيمة أبنائها، بما يُضعف أداءها ويُقلص دورها ويساعد على تفشى الفوضى وتزايد معدلات الجريمة. وإذا كان الحكم الصادر بتاريخ 9/6 فى قضية أحداث ستاد بورسعيد قد أدانَ مدير الأمن بتهمة الإهمال والتقصير فى أداء الواجب، فإن العيب ليس فى الحكم ولكن فى النص القانونى الذى سمحَ بإحالة الموظف العمومى للمحاكمة الجنائية بتهمة الإهمال والتقصير وقد خلا من معايير وضوابط هذا الاتهام، فالموظف العمومى بصفةٍ عامة عليه أن يبذل عناية الرجل المعتاد فى أداء وظيفته وألّا يخرج عما هو معلوم بالضرورة فى مجال عمله وألّا يُخالف التعليمات والنظم المقررة، فإن فعل ذلك فلا تثريب عليه، وهو أمرٌ تُقدره جهته الإدارية، فالقاضى مثلاً لا يُضيره شىء من نقض حكمٍ أصدره وبذل فيه كل ما يملك من علمٍ وخبرةٍ وضمير،والمعلم لا يُضيره شىء من رسوب مائة طالب بذل فى تعليمهم كل ما يملك من علمٍ ومهنيةٍ وإخلاص، وكذلك يجب أن يكون الحال بالنسبة لرجال الشرطة ولكن الأمر يستوجب تعديلاً تشريعياً ينصُ على عدم جواز إحالة رجال الشرطة للمحاكمة الجنائية فى جرائم الإهمال والتقصير أثناء وبسبب عملهم الرسمى إلا بناءً على إذن أو طلب من وزير الداخلية بعد تحقيقٍ إدارى يبيِّن للمحكمة القواعد والتعليمات فى كل حدثٍ بذاته ومدى مخالفة رجل الشرطة لها. إن هذا التعديل المقترح سيُرتب عبئاً سياسياً على وزير الداخلية ولكنه ضرورةٌ لأمن الوطن، وليس ميزةً أو حصانة لرجال الشرطة.حفظ الله مصرنا الغالية، وهدانا جميعاً سواَءَ السبيل.

لواء بالمعاش