رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القبول الشعبى للوزراء


فى بعض الأنظمة الديمقراطية، يختار الوزراء، من بين الشخصيات الحزبية التى لها قبول جماهيرى، إلى جانب خبراتهم فى المجال الذى يختارون من أجله، حتى يتجنب رئيس الوزراء أن يأتى بوزير غير مناسب. فكرة القبول الشعبى للوزراء، مطلوبة جداً، لأنها تعطى ثقة فى قراراتهم، ويبتلع الشعب لهم هفواتهم، ويصبر على تقصيرهم.

كما أنه لا ينبغى، أن تضاف إلى معاناة المصريين، معاناة أخرى، تتمثل فى إحساسهم بالدونية، مع تصريحات الوزير التى تتسم بتعصبه لفئته، ومحاباته لها، وتمييزهم عن باقى الجمهور. وكان جمال عبدالناصر يختار الوزراء من بين الشخصيات التى تتمتع بقبول شعبى واحترام، جماهيرى، ولهم خبرات فى التخصص المطلوب. وفى أول وزارة تشكلت بعد ثورة 23 يوليو 1953، كان مجلس قيادة الثورة، يضع فى كل وزارة ضابطاً من ضباط الثورة، وكان الضابط بمثابة رقيب على تصرفات الوزير، وطريقة إدارته للوزارة، وبعض الوزراء المحترمين، كان يضايقهم هذا الأمر، فكانوا يرفضون الوزارة من أجل ذلك ومنهم الدكتور «إسماعيل القبانى»، وبالفعل أحدث ثورة موازية فى نظام التعليم، لكن تمت الإطاحة به فقط لأنه اعترض على وجود مندوب عسكرى بالوزارة قائلا: «غير معقول إن (حتة) ضابط يتحكم وأنا وزير، ولى تجربة طويلة فى وزارة المعارف أنفذ تعليماته»، فما كان من جمال سالم، أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة، إلا أن رد عليه بعنف: «إن حتة الضابط ده هوه اللى خلاك وزير»!!، فكان رد فعل «القبانى» هو تقديم استقالته التى قبلها جمال عبدالناصر، الذى كان يشغل منصب رئيس الوزراء، وقرر تعيين أحد أعضاء مجلس الثورة، وهو كمال الدين حسين، وزيراً للتربية والتعليم، رغم أن كل مؤهلاته أنه ضابط برتبة «رائد» وخريج الكلية الحربية. ولكنه ألغى بعد تأسيس الاتحاد القومى، والاتحاد الاشتراكى، فكانت لجان الاتحاد الاشتراكى تمارس نوعا من الرقابة على أعمال الوزارات، وكانت فى كل وزارة وحدة من وحدات الاتحاد الاشتراكى، عدا وزارتى الحربية والداخلية،

والغريب أن تلك التجربة تقترب إلى حد كبير بما ينادى بعض القادة اليوم من ضرورة تعيين نائب لكل وزير من الشباب، فهى إن كانت تبدو تجربة لها بريق إلا أنها غير عملية، والشباب بطبيعته متذمر ومنطلق، فضلا عن أنه تنقصهم الخبرة الكافية، حتى ولو توافرت فيهم المؤهلات اللازمة لذلك. كما أن الوزراء لن يقبلوا بأى حال من الأحوال إسناد اختصاصاتهم إلى وكلائهم أو مساعديهم، وتظل كل أمور الوزارة فى يد الوزير، حتى ولو كانت قاسية أو صعبة، وسيعتبر أن المساعد الشاب هو بمثابة قرينه أو بديله، ويصبح لديه هاجس بأن هذا المساعد سيحل محله، عند أول خطأ، لذا فإنه يسند إليه المهام الصعبة التى لا يقدر عليها، بقصد إظهار عجزه. وقد يجد بعض الوكلاء أو المساعدين بحكم أقدميتهم أنفسهم فى حرج من التعامل مع هذا المساعد الشاب، ولديهم إحساس بأن الوزير لا يريده فيتجنبونه ولا يتعاملون معه. إنها البيروقراطية التى تحكم الجهاز الإدارى فى مصر. إننا بحاجة إلى فهم عصرى للمتطلبات التى تقوم عليها كل وزارة، وتحتاج القوانين عندنا إلى التطوير، فما كان مقبولاً أيام عبد الناصر، لم يعد مقبولاً لدينا الآن. هناك مياه كثيرة جرت فى الأخاديد، لذا يجب إعادة النظر فى منصب الوزير، بحيث لا يأتى وزير دون سياسة ينتهجها أو خطة عمل، أو حتى توجه حزبى، ليتبنى الهدف الرئيسى ويعمل على تحقيقه. وفى نفس الوقت يجب أن نترك للقيادة السياسة حقها فى اختيار من ينفذون سياستها، لأنهم بحكم الدستور يتحملون المسئولية السياسية عن أعمالهم.