رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تمركز القوة العربية المشتركة فى مكاتب الحكومات


أن القيادة مسؤلية وأن نجاح القوة المشتركة فى تنفيذ مهامها مرهون بحجم التعاون بينها وبين قوات الدولة التى تتمركز على أراضيها والتى تدير العمليات لصالحها، والدول العربية التى تضطر القوة المشتركة إلى عبور أراضيها وصولاً إلى منطقة عملها.

لم أتوقع كثيراً من اجتماع رؤساء أركان حرب القوات المسلحة العربية الذى عقد فى 23 و24 مايو بمقر جامعة الدول العربية، حيث كنت ومازلت أشعر أن الموضوع لم يتم التحضير والإعداد له جيداً، وأنه قد اقتصر على حسن النية عند بعض القيادات العربية، بينما الأمر يحتاج إلى الكثير، خاصة تصور كيفية استخدام هذه القوة، والظروف التى يمكن أن تعمل فيها وكيفية مواجهة المواقف الطارئة وتطورات العمليات. وكنت قد سبقت وكتبت بأنه مطلوب تحديد من سيخصص المهمة للقوة العربية المشتركة ويدير أعمالها، والعلاقة بين القوة العربية المشتركة وباقى الجيوش العربية قبل بدء استخدامها وأثناء استخدامها، ثم كيفية تمويل أعمال القوة العربية المشتركة قبل بدء استخدامها، وأثناء الاستخدام، حيث ليس مقبولاً أن تتوقف العمليات نتيجة لنقص التمويل، والمؤسسات التى تخدم القوة المشتركة، خاصة فى مجال الاستطلاع والدفاع الجوى، وهل ستعتمد القوة العربية المشتركة على معلومات أجهزة الاستخبارات العربية أم أنها ستكون لها استخباراتها، وهكذا باقى عناصر التأمين الاستراتيجى والتعبوى.

جاء الاتفاق على عرض البروتوكول الأولى الذى جرى إعداده فى الفترة السابقة على الحكومات العربية لمعرفة رأيها متوقعاً من وجهة نظرى لمعرفتى بسابق خبرة العمل على التعاون العسكرى العربى، لكن تجارب التعاون السابقة كانت تجارب المرة الأولى والمحاولة والتصحيح، وكان الواجب أن ننتقل إلى مرحلة تالية يكون فيها رؤساء أركان حرب الجيوش العربية هم الهيئة الاستشارية العسكرية العربية التى تخدم مجلس الدفاع المشترك وتقدم له المشورة العسكرية، ولكن قرار رؤساء الأركان الأخير يشير إلى أن رؤساء الأركان لم يكونوا مفوضين بالموافقة على البروتوكول السابق إعداده أو أنه جرى إعداده بعيداً عن أفكار رؤساء الأركان، وأنهم كانوا بحاجة إلى فسحة زمنية كافية لدراسة البروتوكول وإبداء الرأى فيه، وهو ما يختلف، من وجهة نظرى عما تم، فقد كان من الممكن الإعلان عن أن رؤساء الأركان قد قرروا دراسة البروتوكول لإبداء الرأى فيه خلال فترة زمنية يحددونها، لا عرض البروتوكول على الحكومات لإبداء الرأى فيه.

لم يعرف الكثير عن محتويات البروتوكول رغم العناوين التى أعلنت، ولكن ما رشح عن الاجتماعات يوحى بأنه كان هناك خلاف حول مكان تمركز القوة العربية المشتركة، وقيل إن قطر والجزائر اعترضتا على أن تتمركز القوة العربية العسكرية المشتركة فى مصر، وأن هناك اقتراحاً بأن تبقى القوة العربية المشتركة فى بلادها إلى حين الحاجة إليها، بينما يرى آخرون أنها يجب أن تتمركز فى منطقة مناسبة لتنطلق منها إلى تأدية مهمتها، حيث يمكن للقيادة أن تشرف على إعدادها وتجهيزها وتدريبها. وكما نرى فإن الخلاف يمس العلاقة بين القوة العربية العسكرية المشتركة وجيوش الدول العربية، حيث فى جميع الأحوال ستتمركز أجزاء أو كل القوة العربية المشتركة على أراضى دولة أو دول عربية وهنا قد تتعدد المسئولية عن هذه القوة، ويجب توضيح الخط الفاصل بين مسئولية الدولة التى تتمركز القوة على أراضيها ومسئولية قيادة القوة العربية العسكرية المشتركة، وإذا انتقلت القوة العربية العسكرية المشتركة إلى دولة لتنفيذ مهمة فمن الذى سيصدق على قرارات قائدها، فالذى لا شك فيه أن القيادة مسئولية وأن نجاح القوة المشتركة فى تنفيذ مهامها مرهون بحجم التعاون بينها وبين قوات الدولة التى تتمركز على أراضيها والتى تدير العمليات لصالحها، والدول العربية التى تضطر القوة المشتركة إلى عبور أراضيها وصولاً إلى منطقة عملها.

إذا كنت أفهم أسباب اعتراض قطر على أن تتمركز القوة العربية العسكرية المشتركة على أراضى مصر، فقد يكون من الصعب علىَّ أن أدرك أسباب الجزائر، هذا إذا كان ما رشح عن الاجتماع صحيحاً، ولا أظن القارئ ينتظر منى شرحاً لأسباب قطر فى الاعتراض عليها، لكنى أعتقد أن لدى الجزائر أسباباً موضوعية قد ترى فيها أنه ليس من المناسب أن تتمركز القوة العربية المشتركة على أراضى دولة عربية واحدة مهما كانت هذه الدولة نظراً لاتساع الوطن العربى من الخليج إلى المحيط، وأن الأنسب أن تتمركز فى ثلاث مناطق إحداها فى المشرق فى شمال الجزيرة، والثانية فى وادى النيل فى جنوب مصر والثالثة فى المغرب العربى فى وسط الجزائر. حينئذ قد يكون سبب الجزائر وجيهاً، لكن فى جميع الأحوال يجب أن تتوافر لقيادة القوة المشتركة القدرة على الإشراف على إعدادها وفقاً لتوجيهات القيادة وإدارة أعمالها بما يحقق الهدف، كما يجب ألا ينتقص من حق الدولة العربية المضيفة فى السيطرة على أراضيها وتحقيق أمنها.