رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

همسة عتاب لوزارة الداخلية


فى سلسلة الأعمال الإرهابية الدامية التى تستهدف الوطن بأسره، ولا تُفرق بين إنسانٍ وجماد ولا بين مسئولٍ وغير مسئول ولا بين كبيرٍ وصغير، وقع يوم السبت الماضى حادث اغتيال ثلاثة من رجال القضاء الشامخ وسائق الحافلة التى كانوا يستقلونها على طريق المساعيد بشمال سيناء، وهو الحادث الذى اهتزت له مشاعر كل المصريين، وبات السؤال كيف ولماذا؟.

وقبل التعليق على الحادث أتمنى الإقلاع عن بعض التعبيرات الإعلامية الجوفاء التى اعتدنا سماعها فى مثل تلك الحوادث، مثل إعلان الداخلية حالة الاستنفار وكأننا لسنا فى حربٍ ضروس تستوجب حالة الاستنفار القصوى بصفةٍ دائمة حتى لو امتدت لعشرات السنين، ومثل تكليف النائب العام لمساعديه بالانتقال لموقع الحادث وتحقيق الواقعة، وكأن الأمر ينتظر هذا التكليف الذى يُعد من صميم عمل النيابة العامة ويُباشره أعضاؤها دون تكليفٍ من أحد، ونفس الشىء بالنسبة لتكليف أجهزة الأمن بالبحث والتحرى لسرعة ضبط الجناة، فمثل هذه العبارات المملة لا تُضيف لجمهور المتلقين شيئاً ويكون ذكرها فى غير محلها مجرد زيادةٍ للمساحة الخبرية فقط.

أعود لذلك الحادث الإرهابى البشع الذى لا أراه مفاجأةً لأحد خاصةً لأجهزة الأمن التى تضطلع بمهام الحرب المقدسة ضد الإرهاب وتعى تماماً كل أهدافه ودعائمه وأدواته، ومن ثَمَّ فهى تملك القدرة على التوقع المنطقى لمستجداته نوعياً وزمانياً ومكانياً. ولقد سبق أن أشرنا منذ فترة طويلة وفى عدة مقالات سابقة إلى أن الإرهاب يستهدف هدم كيان الدولة للوقوف على أنقاضها وتحقيق أطماع داعميه، وأن له آلياتٍ متعددة بدءاً من الشائعات المغرضة وتزوير الحقائق عبر وسائل الإعلام حتى أعمال التظاهر والترويع والتخريب والتفجير والاغتيال، وأنه فى ذلك يستبيح دم كل المصريين ولا يأبه بحرمةِ مكانٍ أو زمان. وإذا كانت بعض صور الأعمال الإرهابية تستهدف أشخاصاً بذواتهم أو أماكن بعينها، فإن البُعد الثانى للمستهدَفِ منها دائماً هو ترويع المواطنين وبث روح الخوف واليأس فى نفوسهم بما يُقوض من وحدتهم وتماسكهم فى مواجهة الإرهاب. كما سبق أن أشرنا إلى أن آلية الاغتيال يُمكن أن تطال رجال السلطة القضائية ورجال الإعلام بحكم موقفهم ودورهم فى الساحة المصرية وأحداثها الجارية.

إن حديثاً عن الإرهاب فى مصر لابد أن تسبقه إشادةٌ واجبة بالجهود الأمنية المخلصة المبذولة فى مكافحته، والتى حققت نجاحات رائعة سواءً فى إطار المنع أو الضبط، ولكنىأعتقد أن طرح أوجه القصور بشجاعة ودراستها بهدوء لتدارك أى سلبيات إنما يزيد من قوة المكافحة ويؤدى إلى نتائج أفضل. من هذا المنطلق أرى قصوراً أمنياً واضحاً فى حادث استشهاد قضاة مصر الأبرار، ذلك أن رجال السلطة القضائية كما أسلفنا أصبحوا مستهدفين بالاغتيال، خاصة أولئك المنوط بهم قضايا الإرهاب أو هؤلاء الذين يعملون فى قلب الخطوط الأمامية فى حربنا ضد الإرهاب، وبالتالى كان المفترض أن يكون لدى أجهزة الأمن حصرٌ بأسماء السادة القضاة وأن تحدد لهم أماكن إقامتهم المؤمّنة وعدم السماح بأى تحركاتٍ لهم إلا فى ظل حراسةٍ أمنيةٍ مناسبة، ولا أجدُ فى ذلك صعوبةً أو غضاضة إذا ما تم بالتنسيق مع المؤسسة القضائية التى تُدرك طبيعة الحالة وظروف المنطقة. أما القول بأن شدة الحذر لا تمنع القدر فذلك صحيح، ولكننا إذا كنا لا نلوم كثيراً على وزارة الداخلية فى حوادث التفجير بعبواتٍ تُوضَع عشوائياً فى أماكن خارج نطاق السيطرة الأمنية، فإننا لا يُمكن أن نغفل تقييم أداء وكفاءة التصدى لمحاولات اغتيال الشخصيات المستهدفة أياً ما كانت نتائج تلك المحاولات. لذلك أُذكِّر وزارة الداخلية بأن الشعب فى مثل تلك الحوادث وحوادث الاعتداء على المنشآت العامة، ينتظر التعامل المباشر اللحظى مع الجناة بأكثر مما يترقب أنباء القبض عليهم.. حفظ الله مصرنا الغالية، وهدانا جميعاً سواَءَ السبيل.

لواء بالمعاش