رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى ذم العنصرية


مظاهر، قد تبدو عادية ولكنها فى منتهى العنصرية، نمارسها دون أن ندرى، فالقبيلية التى نهيم بها، ونتغنى فى أفضالها، ونذكرها فى أشعارنا وأدبياتنا، تعتبر نوعاً من القبلية التى يجب أن نمقتها، باعتبار أن مصر قبيلة واحدة هى قبيلة المصريين.

لا يزال فيروس العنصرية البغيضة، مستشرياً، بأشكاله القديمة والجديدة، فى مجتمعاتنا العربية، وعلاقاتهم الإنسانية، سواء على المستوى الدولى، أو الداخلى فى الكثير من البلدان والمجتمعات.

وإن لم يتم القضاء عليه، سيظل يلوث حياتنا، ويقضى على تلك الميزة التى تميزنا كمصريين، بأننا عائلة واحدة احتفظت لنفسها بالوحدة عبر آلاف السنين، تعبّر العنصريّة، عن السلوكيّات والمعتقدات، الّتى تعلى من شأن فئة بعينها، وتعطيها الحق فى التحكّم بفئةٍ أخرى، وتسلب حقوقها كافّة، باعتبار أن الفئة الثانية تنتمى لطائفة ما، تختلف عن الطوائف الأخرى. فتعطى الفئة الأولى نفسها الحق فى التحكّم بمصائرهم وبممتلكاتهم وبكينونتهم. مع أن الإنسان فى الأصل يولد حراً وبلا أى تمييز، ولكن البشر وضعوا لكل فئة علامات مميزة يتم التمييز على أساسها.

أقول هذا بمناسبة تلك الكلمة التى خرجت من وزير العدل المصرى، والتى يستنكر فيها أن يكون ابن الزبال قاضياً. صحيح أنه دفع ثمن صراحته، وأقيل من منصبه، وأصبح من حق الحكومة تفتخر فى المحافل الدولية، بأنها أقالت وزيراً ينادى بالعنصرية. واقع الحال يقول، إن ما قاله وزير العدل علناً، هو حقيقة ما يقال سرا، وأن الهيئة القضائية فى مصر، وجميع الوظائف الرفيعة، تضع قانوناً غير مكتوب، لا تنفذه على أعضائها، ولكنها، تضع قانونها هذا، فى مواجهة الآخرين، ومن يريدون الوصول إلى تلك الوظائف، من خارج تلك الهيئات.

مع أن ظاهر الأمر يقول، إنه كل الوظائف، متاحة امام كل المصريين. ولكن بعض الوظائف القيادية والرفيعة قبل ثورة 23 يوليو 1952، كانت حكراً على الطبقات الغنية فقط، ولما جاءت الثورة، فتحت الباب أمام كل المصريين، ليتولوا تلك الوظائف، وأفردت دستوراً يقر هذا الوضع بصريح عباراته. ولكن هناك مظاهر، قد تبدو عادية ولكنها فى منتهى العنصرية، نمارسها دون أن ندرى، فالقبيلية التى نهيم بها، ونتغنى فى أفضالها، ونذكرها فى أشعارنا وأدبياتنا، تعتبر نوعاً من القبلية التى يجب أن نمقتها، باعتبار أن مصر قبيلة واحدة هى قبيلة المصريين. كما إظهار التدين بشكل مبالغ فيه، أمام الآخرين، والاتجار الزائد وغير المبرر. كلها علامات تبين بوضوح، كم أننا عنصريون. الأديان الشرقية عندنا تميز بين اتباعها، فى المسيحية، هناك فروق بين الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت، والتى تعتبر أن الخروج من الملة مبرر للطلاق. وفى الإسلام، هناك تمييز بين الشيعة والسنة والدروز والزيدية والحوثية والإسماعيلية والبهائية، وغيرها من الطوائف، التى نشأت فى الأساس لأسباب سياسية. فلا يمكن لأتباع طائفة تتبع أى ديانة أن تتزوج من أتباع الطائفة الأخرى.

كما أن الحروب الدائرة الآن، فى كل أرجاء الوطن العربى، سببها تلك العنصرية الدينية، البغيضة التى لوثتنا والتى لوثت حضارتنا العربية. إننا يجب أن نحاول انتزاع تلك التصرفات المتعصبة من حياتنا، لنخلق مجتمعاً جديداً يقوم على أساس المواطنة. والمواطنة وحدها، وأن نشعر كمصريين باننا عائلة واحدة يحكمها قانون واحد، ويتولى أبناؤها كل وظائفها دون أن تحتكرها طائفة أو فئة أو مجموعة.

كاتب