رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هذا المحتوى بأقلام قراء جريدة وموقع الدستور

تحطيم السلم الوظيفي

جريدة الدستور


الأقدمية ، هذه هي الكلمة التي أضاعت مستقبل هذه الامة و جعلتها تذهب في غياهب الجهل و التخلف . إن سلم الترقي الوظيفي هو سر من أسرار صناعة النهضة و هو السبيل لرفع مستوى الخدمات التي تقدمها مؤسسات الدولة ، و كلما كان الابداع في تطوير و تحديث مفهوم الترقي الوظيفي كلما كانت الدولة مبدعة و متقدمة .
إن من أهم أسباب انخفاض مستوى التعليم في مصرنا الحبيبة هو الاعتماد على الأقدمية في اختيار الكوادر و القيادات التربوية ، فالموظف الروتيني الذي يذهب كل صباح ليوقع في دفتر الحضور والانصراف و يجلس في مكتبه حتى يكسو شعره البياض هو المؤهل لكي يصبح مشرفا أو موجها أو وكيلا أو مديرا ، أما الموظف المجتهد الذي يرفع من مستواه المهني و يحصل على الماجستير و الدكتوراه و الدورات المتخصصة يظل في مكانه و لا يحصل على فرصته في الترقي لأنه أصغر في السن و لأنه غير تقليدي .
تخيل معي عزيزي القارئ أن يكون رئيس العمل من حملة البكالوريوس بتقدير مقبول و يكون المرؤوس من حملة الدكتوراه بتقدير امتياز، فكيف تستقيم الأمور ؟ هل يمكن أن تستفيد البلاد من حملة الدكتوراه و قد تحكم فيهم من هو أقل منهم علما و فكرا و قدرة على الابداع ؟ هل يمكن أن يحدث تطويرا في المؤسسات التي يديرها رؤساء يحقدون على مرؤوسيهم لأنهم أعلى منهم في المكانة العلمية و في الإسهام الفكري ؟
تخيل معي عزيزي القارئ حجم المعاناة عندما يقوم موظف روتيني لم يحقق أي إنجاز علمي او عملي في حياته العملية كلها بتوجيه و تقويم موظف حاصل على الماجستير او الدكتوراه وله مؤلفات في تخصصه ، بل و يفرض رأيه عليه ، و إذا اعترض الدكتور و رفض الجهالات التي يريد المشرف الروتيني تطبيقها يتم توقيع عقوبات عليه حسب النظام و اللوائح . فهل هذا السلم الوظيفي سيؤدي إلى نجاح البلاد و العباد ؟ لا و الله بل إلى الفشل ثم الفشل ثم الفشل .
لقد أوضح الرسول صلى الله عليه و سلم هذه الأمور و بينها لنا جلية في حديثه الشريف عن حال أمته في أخر الزمان فقد ورد في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال كيف إضاعتها يا رسول الله قال إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ، صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و هذا ما نحن فيه اليوم معاناة في كافة المؤسسات و القطاعات الوظيفية التي يدير أقسامها من هم أقل كفاءة و أقل قدرة على الابداع و الابتكار و التفكير بشكل علمي واقعي قادر على النهوض بالمستوى الخدمي لتلك المؤسسة .
إن تعديل القوانين الخاصة بسلم الترقي الوظيفي واجب وطني سيسهم بلا شك في علاج مشكلات الحاضر و بناء المستقبل المشرق الذي ينهض بالبلاد و يضعها في صفوف الدول المتقدمة ، عاشت مصر الحبيبة ، عاشت الأمة العربية .