رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرئيس والإعلام وحماية الجبهة الداخلية


لو أن قائداً شجاعاً مخلصاً لوطنه مؤمناً بعدالة قضيته، يقود جيشاً مغواراً يدين له بالولاء ويؤمن بسلامة الطريق معه، وبينما كان فى مقدمة جيشه زاحفاً إلى معركة الكرامة والمصير لاستعادة السيادة الوطنية واسترداد الحق المسلوب وبناء الكيان المنشود، إذا به يلتفت خلفه فلم يجد الجيش الذى كان يعتمد عليه ولم يجد الوطن الذى نذر نفسه فداءً له،فماذا يفعل؟

لو أن ذلك القائد وهو فى مقدمة الصفوف وبعد أن بدأ الزحف المقدس، اكتشف أن ريحاً عاصفة هبّت على جيشه فأطاحت به وتركته ما بين قتيل وجريح وعاجزٍ ومخبول، هل يستطيع أن يعيد الحياة لمن فقدها، أو أن يعيد التوازن النفسى لمن تشتت ذهنه واختل عقله، وهل يستطيع علاج الجروح الغائرة والأبدان البالية؟ وإذا افترضنا قدرته على ذلك فهل سيصبر عليه أعداؤه حتى يلملم أشلاءه؟

إن هذا المثل الذى أسوقه اليوم، يأتى بمناسبة ما نشهده من جوانب عديدة فى الساحة المصرية، ففى الوقت الذى تخوض فيه مصر حربها التاريخية المقدسة دفاعاً عن وجودها ذاته قبل أى شىء آخر، وهى الحرب الدفاعية التى بدأتها بثورتها المجيدة فى30 يونيو، والتى تختلف تماماً عن كل الحروب التقليدية القديمة، وفى الوقت الذى بات فيه الشعب مدركاً لهذه الحقيقة وتوحدت عقيدته وإرادته لخوض هذه الحرب وصار جيشاً واحداً وكتلةً صلبة خلف قائده، فى هذا الوقت تهب عاصفة عاتية لتفتيت هذا الشعب وتشتيت فكره وإحباط معنوياته وإضعاف عزيمته وبالتالى قهر قوته العبقرية التى يعتمد عليها القائد فى مواجهة كل التحديات.. إن هذه العاصفة تُغير على الوطن من منابع متعددة من داخله، ولكن أكبرها حجماً وأكثرها خطورة هى تلك التى تثيرها وسائل الإعلام المختلفة، خاصةً المرئية، والتى زادت فى الفترة الأخيرة وتنوعت وتصاعدت وانتشرت كالنار فى الهشيم بشكل أصبح يهدد سلامة الوطن وأمنه القومى وينذر بكارثة نسأل الله سبحانه وتعالى أن يقينا شرورها. إن أحداً لا يستطيع أن ينكر أو يتجاهل الدور الحيوى لوسائل الإعلام فى توجيه الرأى العام وزرع الثقافة الشعبية وتشكيل السلوك الاجتماعى، بل لا نبالغ إذا قلنا إن وسائل الإعلام تضطلع بنسبة 80% من هذا الدور، ومن هنا تبرز أهمية وخطورة دورها وضرورة ممارسة هذا العمل كرسالة وليس كوظيفة. ورغم الأحاديث الكثيرة عن مواثيق الشرف وأمانة الكلمة ومهنية العمل والضوابط الأخلاقية وغيرها من الشعارات البراقة، فإن الحالة الإعلامية للأسف الشديد تنتقل من سيئ إلى أسوأ، وهو الأمر الذى تحدث عنه باستفاضة المتخصصون والمهتمون بالشأن العام، سواءً عما يقدم من برامج تافهة تصيب العقل بالخمول أو موضوعات قبيحة تهدم قيم المجتمع الأصيلة وتنزلق بالأخلاق إلى هوةٍ سحيقة أو عما يطرح من أقوال ومزاعم تشكك فى العقيدة الدينية وثوابتها المستقرة وتنال من رموزها الشاخمة. إن هذه الحالة الإعلامية فى هذه الظروف الدقيقة والمرحلة الفارقة التى تمر بها مصر، لم يعد يجدى معها عبارات النصح والإرشاد أو نداءات الأمل والرجاء، وهو ما يدعونى لمخاطبة الرئيس لإصدار مرسوم بقانون لحماية الجبهة الداخلية يتضمن ضوابط واضحة ومحددة للعمل الإعلامى، وضبط إيقاع ما يتم بثه من وسائل الإعلام المصرية وما يتحدث به المصريون فى وسائل الإعلام الأجنبية، ويستحسن اشتراط التسجيل المسبق للبرامج المهمة خاصة التى تتناول موضوعاتٍ دينية، ومراجعتها وإجازتها من لجنة عليا تضم المتخصصين والمعنيين بالأمر، مع سن عقوبات رادعة ضد الأشخاص المخالفين فقط وهو ما يسهل ملاحقتهم قضائياً وأمنياً، وعدم تقرير العقوبة ضد وسيلة الإعلام بالغلق أو الإيقاف لعدم جدواها وصعوبة تنفيذها عملياً.وللحديث بقية

لواء بالمعاش