رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتغيرات الدولية والإقليمية.. وتأثيرها فى المنظور الأمريكى «9»


تناولت فى المقالات السابقة نجاح قادة حلف الناتو فى ضم شركاء جـدد وفى حصار روسيا عسكرياً واقتصادياً، لكنهم لم يُحددوا التهديدات الجديدة التى اجتمعـوا من أجلها فى نيوبورت ببريطانيا وحددها تقرير لجنة التخطيط الاستراتـيجى لوزارة الخارجية الأمريكية «نوفمبر1988» حيث تضمن هذه العـبارة .

أما وقـد انتهت الحرب الباردة بيننا وبين الاتحاد السوفييتى، فإن مصادر التهديـد البـديلة ستكون دول الأصولية الإسلامية والأنظمة السياسية غـيـر المستقرة» وأوضحت أن مصطلح الأصولية يرجع فى نشأته إلى بعـض الجماعات اليهودية والمسيحية المتشددة وأطلقه الغرب على الإسلام، وأوضحت أن مفهوم مصطلح العالم العربى يعـنى أنه مجمـوعة من الدول والشعـوب التى لن تجد لها مكاناً فى عالم الغـد مالم تُؤمن نفسها باستراتيجية عربية موحدة، وأوضحت أيضاً أنه يتعـين دراسة الموقف الاستراتيجى أولاً لاستخلاص المحددات التى تعـيق بناء هذه الاستراتيجية، وبدأت بالمنظور الأمريكى باعـتباره من أهم المحددات، وتناولت فى المقال الأخير المستجدات التى طرأت على هذا المنظور والتى سأقوم باستكمالها اليوم. إذ يُعـد تقارب العلاقات الدولية بين الولايات المتحدة وإيران أكثر هذه المستجدات تأثيراً فى محتوى المنظور الأمريكى، إلى الحد الذى يُمكن إدراك أن هناك اتفاقاً مسبقاً لحل قضية الملف النووى الإيرانى أصبح على وشك التوقيع.

وتُعـد التهنئة التى وجهها الرئيس الأمريكى إلى الشعـب الإيرانى «الذى قام بوصفه بأنه أعطى الكثير للبشرية» بمناسبة عيد رأس السنة الفارسية دليلاً على هذا التقارب وتوقيع الاتفاق، كما يُعـد سعى جميع أطراف المعادلة الأمريكية إلى تضييق هوة الخلاف الذى نشأ بين مؤسسة الرئاسة والكونجرس الأمريكى دليلاً آخر، وهو الخلاف الذى نشأ بسبب تبنى أوباما فكرة طرح أى اتفاق يتم التوصل إليه مع إيران بشأن ملفها النووى على مجلس الأمن حتى يحظى بموافقة أممية وهو ما يعـنى تهميش الكونجرس، الأمر الذى أدى إلى قيام رئيس الكونجرس بدعـوة نتنياهو لإلقاء خطاب أمام مجلسى الكونجرس لتوضيح مخاطر امتلاك إيران للرادع النووى، مما أدى إلى التباعـد «الظاهرى» فى العـلاقات الأمريكية الإسرائيلية، فقد قرر مجلس الشيوخ فجأة إرجاء التصويت على مشروع قانون يلزم الرئيس بإحالة أى اتفاق مع إيران إلى الكونجرس قبل التوقيع عليه، وهو ما يؤدى إلى تضييق هوة الخلاف ويُمهد لزيارة نتنياهو التى سيسعى إليها صاغـراً بعـد تشكيل وزارته الجديدة لمقابلة الرئيس الأمريكى الذى قام بتهنئته بعـد تراجعه «شكلاً» أمام التهديدات التى تتعـلق بإعادة تقييم سياسة الولايات المتحدة الداعـمة لإسرائيل حال عـدم انصياع نتنياهو لسياسات واشنطن، وحال عدم التزامه بتعهداته السابقة تجاه القضايا الدولية خاصة حل القضية الفلسطينية على أساس الدولتين، فلم يكن موقف نتنياهو الذى اتخذه إلا مزايدة انتخابية.

وتُعـد التفاعلات المتسارعة للأزمة اليمنية أحد مستجدات الموقف، بعـد تحالف قوات على عـبـدالله صالح وقوات عـبدالملك الحوثى، وقيام القوات المتحالفة بإجراء مناورات واسعة على حدود اليمن مع السعـودية، وأتمت تدريبها على الهجوم على مطار عـدن والقصر الرئاسى، ثم قامت بشن هجومها على تعـز وسيطرت على مطارها بشقيه المدنى والعسكرى، واستولت على بعـض المروحيات والمقاتلات، وقامت بتأمين هبوط الطائرات المحملة بالأسلحة والذخائر الإيرانية التى ستُمكَنها من تنفيذ مهمتها التالية التى قامت بالتدريب عليها، وهى الاستيلاء على عـدن ومحاصرة القصر الرئاسى لتحقق هدفها النهائى، وهو إخضاع الجنوب لسيطرة صنعاء التى يُسيطر عليها الحوثيون، وإسقاط شرعـية الرئيس عـبدربه منصور كى تُصبح إيران على ضفاف باب المندب.

وهو ما صرح به «شمخانى»، أمين المجلس الأعلى للأمن القومى لإيران، وهو ما يتسق أيضاً مع المنظور الأمريكى، وترتيباً على هذا الاتساق والاتفاق الذى سيتم التوصل إليه، سيجتمع مجلس الأمن لمناقشة مسودة مشروع القرار المقـدم من الدول الكبرى والعـظمى بشأن رفع العـقـوبات الاقتصادية عن إيران، الأمر الذى سيؤدى إلى تعاظم مقدرتها الاقتصادية لتتسق مع مقدرتها السياسية والعسكرية والاجتماعية، وهو ما سيؤدى بالتالى إلى تعاظم نفوذها ويؤهلها لتوسيع رقعة سيطرتها بضم بعض دول المنطقة العربية خاصة فى منطقة الخليج بعـد أن سيطرت على سوريا ولبنان والعراق واليمن لتتمكن من إحياء الإمبراطورية الفارسية كما صرح بذلك «على يونسى» مستشار الرئيس الإيرانى بأن إيران أصبحت إمبراطورية كما كانت على مر تاريخها، وهو ما حدده المنظور الأمريكى، ولذلك يتعـين إدراك أن هذه المستجدات تتداخل فيما بينها وتتفاعل مع بعـضها ومن غـير المقبول أو المتصور الفصل بينها، أو مناقشة إحداها بمعزل أو بمنآى عن الآخرين عـند تقدير الموقف الاستراتيجى، بل ينبغى وضعها فى سياقها السليم ككل لا يتجزأ عـند إجراء الحسابات استراتيجية.. وللحديث بقية الأسبوع القادم بإذن الله.

أستاذ العلوم السياسية - جامعة بورسعيد