رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نكبتنا فى نخبتنا


هل أستطيع البوح لكم بمكنون نفسي؟! أظننى أستطيع، ففى القلب أسى وفى النفس ضيق وفى الحلق مرارة من أولئك الذين يطلقون على أنفسهم «النخب السياسية» أولئك الذين فقدوا مصداقيتهم أمام الشعب فلم يضعهم فى مقدمة ثورته بل نحاهم وتقدم هو، فتلك النخب كانوا مثل عبيط القرية، حيث تلاعبت بهم جماعة الإخوان الإرهابية فى كل الأزمنة.

ففى زمن مبارك كان للجماعة أعداء، وكانت خطة الجماعة ترمى إلى تشويه هؤلاء الأعداء حتى لا يكون لهم أى تأثير أمام الرأى العام، وكأن أبسط شىء تقوم به الجماعة هو أن تتهم فلان الصحفي، أو علان الكاتب، أو ترتان السياسى بأنه من رجال مبارك، ساعتئذ كنت تجد الآلة الإعلامية للإخوان تتحرك فى هذا الاتجاه، وبمجرد الحركة كنت تجد كل التوجهات السياسية المعارضة لمبارك تأخذ نفس المنحى، وتوجه نفس الاتهامات لهؤلاء الأبرياء دون أن يستبصر أحد الحقيقة أو يبحث عن الصواب، كلهم وضعوا عقولهم فى أذنيهم كالببغاء، وإلى الآن لا تزال تلك الاتهامات التى أطلقتها الجماعة تلاحق قامات وطنية رشيدة ومخلصة، ولا تزال بعض قوى المعارضة تسير خلف هذه الشائعات بغباء مطلق، والغريب أن من يسير وراء هذه الشائعات كان يجلس مع أعمدة نظام مبارك ويتفاوض معهم ويحصل من خلالهم على غنائم سياسية، وصورهم مع كمال الشاذلى وفتحى سرور وأحمد عز ومفيد شهاب تملأ الدنيا، ولكنهم ساعتها كانوا يقولون وهم يصطنعون العبقرية: لقد كنا نستخدم ما أوتينا من ذكاء لكى نحصل على أكبر مساحة حركة لنا ولتوجهاتنا السياسية!. والحق أن جماعة الإخوان كانت أذكى من كل قوى المعارضة، فقد أظهرت نفسها على أنها القوة المعارضة الكبرى لنظام مبارك فى حين أنها كانت تنام يوميًا فى أحضان الأمن! ولم يحدث أن عارض الإخوان مبارك فى أى قضية وطنية؟ كما لم يحدث أن اضطهد مبارك الإخوان أبدًا؟ وإلا قل لى بربك كيف دخل الفريق المُضطـَهد إلى برلمانات عهد مبارك؟ ولماذا تكونت ثرواتهم الضخمة التى تفوق الخيال فى عهد مبارك القاسى الشرير الذى يبغض الجماعة؟ لكى نعرف لماذا فيجب أن نعرف كيف، أما الكيف فكان من بداية حكم مبارك، كان الرجل فى عهده الأول يسمع كلام المستشارين الحاذقين، فأطلق سراح المعتقلين واستقبلهم فى قصر الرئاسة، ثم مد يده للإخوان كى يكونوا معه، يساعدونه ويشدون من أزره، فالرئيس الجديد يرغب فى اكتساب شعبية كبيرة بعد أن ظهر للناس أثناء فترة وجوده كنائب للسادات أنه محدود القدرات ضعيف التأثير، فظن الإخوان أنه غنيمة فوقفوا معه وساعدوه فى مواجهة تنظيمات الجهاد والجماعة الإسلامية، وظلت العلاقة بينهما فى السنوات العشر الأوائل كالسمن على العسل، حتى أن الإخوان ذهبوا فى مجلس الشعب عام 1987 مع كبيرهم البرلمانى مأمون الهضيبى ليبايعوا مبارك على ولاية ثانية، وقتها قال الهضيبى لمبارك وهو يبايعه: وجدناك شريفًا وأمينًا ووطنيًا فبايعناك، وكانت اللقاءات الإخوانية مع النظام المباركى مستمرة بلا انقطاع وفى عهد مبارك الذى اضطهدهم وشتت شملهم وسجنهم، أصبح محمد مرسى أستاذًا فى الجامعة التى أرادها، ثم أصبح رئيسًا لأحد الأقسام فيها، وأصبح محمد بديع وكيلاً لكلية الطب البيطري، وخيرت الشاطر عضوًا بمجلس إدارة بنك المهندس، ومحتكرًا لمعارض السلع المعمرة بالنقابات المهنية، وحصل حسن مالك على التوكيلات التجارية التى يطيب قلبه بها،وفى ظل حكم مبارك الذى يضطهد الإخوان نجح طلاب الجماعة فى انتخابات اتحادات الطلبة، بل إننى أذكر أنه فى فبراير من عام 1994عند مذبحة الحرم الإبراهيمى بالقدس،التى اغتال فيها يهودى متعصب ومجرم مجموعة كبيرة من المصلين بالحرم وقت صلاة الفجر، وقتها اتصل كمال الشاذلى بالمستشار مأمون الهضيبى الذى كان وقتها متحدثًا رسميًا عن الإخوان، وطلب منه أن يقيم الإخوان فاعلية كبيرة رافضة لهذا الفعل الإجرامي، وأخبره أن الدولة ستعطيه كل إمكانياتها من أجل نجاح هذا العمل، وفى الوقت اتصل الشاذلى بأحمد الخواجة نقيب المحامين وطلب منه أن يساعد الإخوان فى هذا العمل، وبالفعل تم تشكيل لجنة من أجل إقامة مؤتمر كبير فى نقابة المحامين يشجب هذه المذبحة، وتم عقد المؤتمر الذى حشد له الإخوان أعدادًا كبيرة فاقت احتمال نقابة المحامين حتى أننا وضعنا خارج النقابة شاشات ضخمة ليرى الجمهور الذى اكتظت به النقابة كلمات الخطباء، وكان من الحاضرين وقتها وجدى غنيم، ومأمون الهضيبي، ومصطفى مشهور، وأحمد الملط «نائب المرشد وقتئذ» والداعية عمر عبد الكافي، والمهندس إبراهيم شكري، فضلاً عن أحمد الخواجة. ولأن الإخوان إذا شبعوا اطمأنوا، وإذا جاعوا أنّوا فقد عاشوا مع مبارك فى فترة المرشد مصطفى مشهور بين الجوع والشبع، الاطمئنان والأنين، يكتب المرشد مصطفى مشهور مقالة فى جريدة الشعب عام 2000 يحيى فيها «موقف مبارك الوطني» من ضرب محطة الكهرباء بلبنان، فيرسل له مبارك مبعوثًا ليطلب منه دخول الإخوان الانتخابات البرلمانية، وأنه سيسمح لهم بنجاح عدد معقول فيها، على أن ينسوا قضية النقابات المهنية التى كان متهما فيها المرشد الحالى محمد بديع، ويأتى المرشد مهدى عاكف الذى تم الاتفاق معه على صفقة عام 2005، وقد كان المتفاوضان فى هذه الصفقة من الإخوان محمد مرسى وخيرت الشاطر، وكان المفاوضان من الحكومة أحمد عز ورئيس جهاز مباحث أمن الدولة، وهى الصفقة التى أسفرت عن صدور بيان من الجماعة تدعو فيه الجماهير إلى عدم مقاطعة انتخابات الرئاسة حتى يكون المسلم إيجابياً! وكان أن دخل الإخوان بعد ذلك إلى عضوية البرلمان فرادى وجماعات، ومن بعدها وإلى الآن لا نزال نعانى من تلك الجماعة التى ما كبرت وتوحشت إلا بسبب جهل النخب الفاسدة.