رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من "البيه البواب" لـ"معالي الوزير".. 10 سنوات على رحيل "النمر الأسود"

جريدة الدستور

تحل علينا غدًا ذكرى رحيل فنان استطاع بموهبته أن يغزو قلوب وعقول الجمهور، واستحق عن جدارة أن يستحوذ على عدة ألقاب من جمهوره، والذي استمتع بأعماله التي لا تزال تخلد ذكراه، فهو حالة فنية خاصة يصعب تكرارها، شق دربًا لم يسلكه أحد من قبل، صاحب "كيمياء" وبراعة في الأداء، متميز إلى حد التفرد، إنه الإمبراطور وفتى الشاشة الأسمر والنمر الأسود الفنان "أحمد زكى" الذي رحل عن عالمنا قبل 10 سنوات، لكنه بقي خالدا في ذاكرة عشاقه.

"أحمد زكى" وصل لـ"الغلابة" في قاع المجتمع، وصعد إلى مصاف الكبار، فبدأ من «البيه البواب»، حتى أصبح «معالي الوزير»، صاحب كيمياء ولون مختلف، أدى أدواره ببراعة شديدة وأبهر النقاد بتقديمه للسير الذاتية، التي استحضر بها أرواح عظام الفنانين والقادة السياسيين الراحلين، مثل جمال عبد الناصر، وأنور السادات، والعندليب عبد الحليم حافظ.

نشأته:
ولد أحمد زكى في 18 نوفمبر عام 1949، بمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، وهو الابن الوحيد لأبيه الذي توفي بعد ولادته، فتزوجت أمه بعد وفاة زوجها وتربى الفتى الأسمر مع جده، وخلال دراسته الثانوية أبدى زكى حبه الشديد للمسرح، إلى أن اشترك في مهرجان المدارس الثانوية ونال جائزة أفضل ممثل على مستوى مدارس الجمهورية، والتحق بمعهد الفنون المسرحية ليتخرج من قسم التمثيل والإخراج بالمعهد عام 1973 بتقدير امتياز.

حياته الفنية:
بدأ زكى حياته الفنية بتمثيل دور صغير في مسرحية "هاللو شلبي"، ثم اختاره المخرج جلال الشرقاوي في مسرحية "مدرسة المشاغبين"، وبعدها مسرحية "العيال كبرت"، ليتجه بعدها للسينما منذ منتصف السبعينيات، وبدأت الأنظار تلتفت إليه حتى شارك في عشرات الأفلام التي جعلته من أكثر الممثلين جماهيرية، وبدأت بعد ذلك مرحلة فنية جديدة تتسلل لحياة "أحمد زكي" خاصةً عقب تألق نجمه حتى أصبح أحد العلامات المتميزة في العالم الفني، وذلك لتنوع الأدوار التي يقدمها وتعدد الأشكال الفنية التي ظهر بها سواء الكوميدي أو التراجيدي أو أفلام الحركة والإثارة، ما جعله فنان شامل مرن متمكن من تجسيد كافة الأدوار.

سينما الإمبراطور:
على الرغم من تميز زكى في المسرح، إلا أن السينما حظيت بنصيب النمر في مشواره الفني لقدرته الهائلة على تجسيد العديد من الشخصيات الهامة التي أثرت في الحياة المصرية والعربية ومنها فيلم "ناصر 56" الذي جسد به شخصية الرئيس المصري الراحل "جمال عبد الناصر"، وفيلم "أيام السادات" مستعرضاً شخصية الرئيس الراحل "محمد أنور السادات"، ولاقي الفيلمان الكثير من النجاح نظراً لقدرته العالية في التعمق في الشخصية محاولاً إبراز جميع جوانبها وأدق تفاصيلها، ومن أبرز أعماله السينمائية: أبناء الصمت – "شفيقة ومتولي" – "الباطنية" – "عيون لا تنام" – "الراقصة والطبال" – "النمر الأسود" – "الحب فوق هضبة الهرم"- "البيه البواب" – "زوجة رجل مهم" – "ضد الحكومة" – "كابوريا" - "أيام السادات"، بينما كان فيلم "حليم" هو آخر أفلام الراحل أحمد زكي والذي قام بتمثيله أثناء فترة مرضه الشديدة.

فتى الشاشة الأسمر:
قدم فتى الشاشة الأسمر –كما أطلق عليه النقاد -عدد من الأدوار التلفزيونية المتميزة أبرزها مسلسل "الأيام" الذي جسد من خلاله قصة حياة الأديب الكبير طه حسين، والمسلسل الدرامي الاستعراضي "هو وهي"، و"موعد على العشاء".

زوجة واحدة:
تزوج الفنان "أحمد زكي" مرة واحدة فقط كانت من الفنانة الراحلة "هالة فؤاد"، وأنجب منها ابنه الوحيد "هيثم" الذي اتجه أيضاً إلى التمثيل، إلا أن الطلاق تم بعد مرور عامين فقط على زواجهما، وبعد أن رفضت هالة اعتزال التمثيل، وصممت أن تكمل مسيرتها الفنية، ووصل الأمر بينهما لطريق مسدود لم يحله سوى الانفصال، حيث كان يحلم زكي بتكوين عائلة كبيرة، وظل الفنان بعد هالة يبحث عن امرأة تملأ حياته، ولكنه لم يجد، فكان يردد أنه يتمتع بعملية البحث عن الزوجة، والحبيبة والأم والابنة في امرأة واحدة، وكان يقول أنه البطل الحقيقي لفيلمه الشهير «امرأة واحدة لا تكفي»، والمقربون من أحمد زكي أكدوا أنه حزن كثيرًا على وفاة هالة فؤاد، وقرر ألا يتزوج بعدها، وأنه أكد لهم أنها حبه الوحيد وأنه أضاعها من بين يديه عندما حرمها من فنها، ولكنهم أشاروا أيضًا إلى أن الحب ربط بينه وبين الفنانة نجلاء فتحي، أثناء عملهما في فيلم «سعد اليتيم» عام 1985، إلا أن طبيعة زكي وحبه لفنه، جعل نجلاء لم توافق على الزواج، وقال البعض أنه أحب للمرة الثالثة الفنانة شيرين سيف النصر، عندما قدم معها فيلم «سواق الهانم» عام 1994، إلا أن القصة لم تكتمل لأسباب عديدة.

تكريم وجوائز:
نال أحمد زكى العديد من الجوائز عن أعماله الفنية منها جائزة مهرجان القاهرة السينمائي عن فيلم "كابوريا" 1990م، والجائزة الأولى للمهرجان الـ(13) لأوسكار السينما المصرية عام 1991، كما تم تكريمه من معهد العالم العربي بباريس 1991 وأيضا تم تكريمه في مهرجان قرطاج 1992، وحصل على وسام الاستحقاق الثقافي من تونس عام 1992، وقام التلفزيون العربي الأمريكي بتكريمه بعد أن اختارته الجاليات العربية في الولايات المتحدة كأحسن نجم لعام 1993 وحصل على جائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلمى البيضة والحجر والإمبراطور عام 1992، كما حصل على جائزة أحسن ممثل عن فيلم "أيام السادات" عام 2001 م، وجائزة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن فيلم "معالي الوزير" عام 2002 م، بالإضافة إلى وسام الدولة من الطبقة الأولى - منحه الرئيس المصري السابق مبارك - كنوع من التكريم عن أدائه في فيلم "أيام السادات"، واحتكاره لجوائز أفضل ممثل مصري عدة أعوام متلاحقة، في يوم 27 مارس 2005.

رحلة مع المرض:
كانت بدايات مرض الفنان عندما ذهب إلى مستشفى دار الفؤاد لإجراء بعض الفحوصات الطبية ليكتشف مرضه بسرطان في الرئة، وعقب ذلك سافر إلى فرنسا لتلقى العلاج هناك ثم عاد مرة أخرى إلى القاهرة وأثناء المتابعة الطبية وتلقيه العلاج سمح له الأطباء بمزاولة نشاطه الفني مع الحرص الشديد على تجنب الإرهاق، وبدأ تصوير فيلم "حليم"، وأثناء التصوير أصيب بوعكة صحية دخل على إثرها المستشفى مرة أخرى ونتيجة لمضاعفات الورم السرطاني بالصدر والذى أدى لمشاكل صحية متتابعة أصيب أيضا بالتهاب رئوي وضيق حاد في الشعب الهوائية الأمر الذى أدى إلى تدهور حالته الصحية، واستكمل دوره في الفيلم نجله الوحيد "هيثم" عقب رحيله.

وفاته:
توفى الفنان "أحمد زكي" "زي النهاردة" عام 2005 بعد صراع طويل مع المرض، حيث دخل المستشفى في حالة صحية حرجة نتيجة لمضاعفات الورم السرطاني في صدره وانتشاره إلى الكبد والغدد اللمفاوية في البطن، وتم تشييع جثمانه إلى مقبرته بمدينة السادس من أكتوبر التي أشرف بنفسه على بنائها وكانت جنازته عبارة عن تظاهرة حب له.