رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبد الحميد يتحدث لـ"الدستور" عن تهديد الأهالي للأطباء بـ"المطاوي".. وحقيقة "تسييس وتزوير" تقارير الوفاة

الدكتور هشام عبدالحميد
الدكتور هشام عبدالحميد

أثار الجدل بتصريحاته التي رأى فيها كثيرون أنها صادمة؛ حيث كشفت الكثير من القضايا الشائكة، والتي أودت به في النهاية إلى الإقالة من منصبه.. إنه الدكتور هشام عبدالحميد، المتحدث باسم مصلحة الطب الشرعي المقال من منصبه قبل يومين.
"عبد الحميد" 53 عامًا، الحاصل على دكتوراة في الطب الشرعي وأخرى في حقوق الإنسان وثالثة في القانون، اعتاد الصدق في المعلومات التي تصدر في تقارير الطب الشرعي بشأن الغموض الذي يحوم حول بعض الضحايا، التي اعتبرها أمانة سوف يُسأل عنها كمسئول، لكن هذا الصدق أودى به في النهاية إلى خارج المصلحة.
"الدستور" التقت عبد الحميد، في آخر حوار له قبل إعفائه من منصبه، كشف خلاله العديد من الحقائق، وحقيقة تزوير وتسييس تقارير المتوفين في أحداث سياسية، والتهديدات التي يتلقاها الأطباء في كل مرة يقومون فيها بتشريح الجثث.

"الأطباء محاطون بالمخاطر الدائمة":
بدأ عبد الحميد حديثه حول مصلحة الطب الشرعي بأنها لا تملك إلا مشرحة واحدة وهي مشرحة زينهم، والتي تختص في ضحايا الأحداث التي تقع في نطاق محافظتي القاهرة والجيزة، وما يحدث خارج نطاقهما من أحداث تتطلب وجود تشريح جنائي وجهة طبية، فيتم انتداب طبيب من المشرحة إلى المستشفى التي يصب بداخلها ضحايا الحادث.
وأشار إلى أن من هنا تبدأ معاناة الطبيب الشرعي، لأنه من الطبيعي ألا يكون مؤمن بشكل فضلًا عن وجود ضغط كبير من أهالي الضحايا ومئات من البشر خارج المشرحة، منهم من يصر على مشاهدة عملية التشريح بنفسه، ومنهم من يعترض طريق الطبيب ويقوم بالاعتداء عليه، أو تهديده في الداخل والخارج.
وتابع عبد الحميد أنه هناك خطر دائم من قبل الطبيب الشرعي على حياته المحاطة بالتهديد، ولكن في ظل كثرة الأحداث السياسية ووجود حالات وفاة جماعية اكتسب الطبيب الشرعي خبرة في التعامل مع الأمور بشكل صحيح.

"تهديد وبلطجة أهالي الضحايا ضغط لا يحتمل على الأطباء":
وتابع "إضافة إلى عدم الأمان على الحياة، فإن يطلق البعض الشائعات بأن الطب الشرعي يقوم بسرقة الأعضاء ويفبرك التقارير الطبية، الأمر الذي يمثل بدوره ضغطًا نفسيًا كبيرًا على الأطباء".
"أعضاء الجثث لا تصلح للاستخدام ثانية"، هكذا كان تعليق عبد الحميد، عن بعض الأقاويل التي ترددت بوجود تجارة للأعضاء داخل المشرحة، مضيفًا أن معظم عمليات التشريح تتم بعد مرور 6 أو 7 ساعات من وفاة الحالة؛ الأمر الذي يؤدي لتلف جميع الأعضاء وعدم صلاحيتها للاستخدام.
وتابع أن في حالة الأحداث السياسية الكبيرة والتي ينتج عنها عدد من الضحايا لا يستهان بهم، مثل أحداث استاد الدفاع الجوي، تحدث العديد من المشاكل داخل المشرحة، فحين تفتح الأبواب لإدخال الجثامين إلى غرفة التشريح يندفع الأهالي ورائهم ويتم السيطرة على الغرفة؛ الأمر الذي يؤدي بالطبيب إلى إتمام عملية التشريح تحت أعين الأهالي.
وأكد أن ذلك الأمر يمثل ضغط كبير عليهم، فعمليات التشريح ليست سهلة كي تتم تحت أنظارهم، مشيرًا إلى أنهم تغلبوا على تلك الأزمة بعمل فتحة صغيرة في حجرة التشريح تكفي دخول الجثمان فقط لمنع تدفق أهالي المتوفي إلى غرفة التشريح.
وتطرق المتحدث باسم مصلحة الطب الشرعي في حديثه إلى ممارسات الأهالي خارج المشرحة فور دخول ضحاياهم إلى غرفة التشريح والبدء في العملية، فيقومون بالتهديد والضغط على الأطباء لحضور عمليات التشريح، وكسر الأبواب والنوافذ أيضًا، فيبدأ الطبيب الشرعي الشعور بالتوتر وعدم التركيز في العملية التشريحية التي يقوم بها.
وأشار إلى أن البعض منهم يقم بإطلاق السباب والشتائم واتهامهم بالتزوير وأن الأطباء متواطئين مع الداخلية والنظام القائم ونقوم بسرقة الأعضاء.
وأضاف أن البعض يتعدى تلك المراحل إلى الأخطر منها، وهو المطالبة بكتابة سبب الوفاة شيء معين تبع مصالحه، كما يأتي الأهالي أحيانًا ومعهم الطبيب الخاص ليجري بنفسه عملية التشريح كي يطمئن.
وتابع أن بعض الأهالي تصل بهم درجة الغضب إلى حد رفض استلام جثامين ضحاياهم، ويعتصموا بالساعات على باب المشرحة، إلى أن يخرج التقرير الطبي تبعًا للشكل الذي يريده الأهالي حتى وأن كان مخالف للواقع.

"السكان لا ينامون.. والطب الشرعي ينتوي عمل مشرحة جديدة":
وعن حياة سكان منطقة مشرحة زينهم تحدث عبد الحميد قائلًا: "من الصعب أن تعيش في مكان طوال اليوم لا تسمع غير الصراخ والبكاء، لأنه يؤدي إلى نوع من التوتر وضغط الأعصاب، والأهالي هنا لا يعرفون النوم في الليل والنهار.
السعي لإنشاء مشرحة أخرى، هكذا كان الحل متمثل على لسان عبد الحميد، ولكن الصعوبة تكمن في اختيار المكان، فيجب أن يبعد عن القاهرة والجيزة لأن مشرحة زينهم تقوم بواجبها في خدمة تلك المناطق.
ولافت إلى أن المشروع سيتكلف مبالغ ضخمة، وبشكل مبدئي تم وضع ميزانية ما بين 50 إلى 60 مليون جنيه، وأيضًا الرسم الهندسي تم الانتهاء منه، وسوف تقع المشرحة على مساحة 5 ،4 فدان أي ما يعادل 14 ألف متر.
"أن تكون بمعزل عن الناس والأهالي" كانت أهم المعايير التي وضعتها المصلحة صوب أعينها في اختيارها لمكان المشرحة، أما الجزء الخاص بالمعامل والإدارة ومصلحة الطب الشرعي سيظل في مكانه.
وتابع أن المشرحة ليست مؤهلة بدرجة 100% لاستقبال الأحداث الكبيرة ولا سيما بعد ثورة يناير، كما أن الطبيعي في أي مشرحة أن يكون لديها ثلاجات تستوعب 300 جثمان على الأقل، و"زينهم" لديها ثلاجات تسوعب 110 جثمان فقط، فإذا وقع حدث كبير لن تكون المشرحة مؤهلة لاستيعاب ضحاياه.

فض رابعة "تكدس للجثث".. والدفاع الجوي "التزوير لا يخصنا":
أعطى عبد الحميد مثال على ذلك بأحداث فض اعتصامي "رابعة والنهضة" بأن الأطباء لم يستطيعوا إدخال الجثامين بسبب قلة الثلاجات؛ الأمر الذي يؤدي إلى تأخير عملية التشريح وتكدس الحالات.
وعن الواقعة الأكثر شهرة والتي شهدتها أحداث استاد الدفاع الجوي، وأشارت وقتها أصابع الإتهام إلى مصلحة الطب الشرعي أنها تقوم بتزوير التقارير الطبية، أكد عبد الحميد أن الطبيب الذي قام بتلك الواقعة، هو مفتش من صحة زينهم، وكان المفروض عليه أن يلتزم بسبب الوفاة المكتب بالحرف في التقرير الطبي ويقوم بنقله في تصريح الدفن.
وتابع أن ذلك الطبيب قال إنه تعرض لضغوط عديدة وتهديدات من الأهالي، فضلًا عن أنه كان بمفرده بدون تأمين أو حراسة، فالأهالي أجبروه أن يكتب في سبب الوافاة "اختناق بالغاز"، فتم عمل محضر بالواقعة وحفظ بأنه تم الضغط عليه وإجباره على كتابة ذلك.

"مهنة الطب الشرعي عمل شاق تعزف عنه السيدات":
وعن عزوف السيدات من تقلد تلك المهنة داخل مشرحة زينهم، قال عبد الحميد إنه بشكل عام بلغ عدد الأطباء الشرعيين في مصر 100 طبيب شرعي، وبشكل خاص في مشرحة زينهم يبلغ عدد الأطباء 75، وفي الفترة الأخيرة تم تعيين 15 آخرين فوصل العدد الكامل إلى 85 طبيب، والمشرحة لديها من 12 إلى 15 طبيبة شرعية، لأن تلك المهنة تعد من المهن القاسية، وتسلتزم في بعض الأحيان العمل تحت ضغوط وأوقات متأخرة من الليل.

"انقطاع الكهرباء أزمة تغلبنا عليها.. والجثث طبيعي أنها تتعفن":
وعن مشكلة انقطاع الكهرباء التي سببت أزمة في الفترة الأخيرة قال عبد الحميد، إنه من الطبيعي أن تتعفن الجثث بعد ثلاث أيام من وضعها في الثلاجة دون انقطاع التيار الكهربائي، وهو ما حدث في الفترة الأخيرة، قبيل الوصول إلى حل تحويل الثلاجة من التبريد إلى التجميد لتستوعب 28 جثمان، وقد بدأ العمل بذلك الشكل منذ شهر أكتوبر 2013.

"الضحايا يهددون الطب الشرعي بالسلاح و"المطاوي":
أم عن فترة حكم الجماعة الإرهابية والتي تعد من أصعب الفترات التي مرت على مشرحة زينهم، قال عبد الحميد إن البعض طالب بخروج الجثامين دون تشريح الأمر رفضته المشرحة حتى عقب تهديدهم بالأسلحة.
وحكى عن أن أحد الأهالي قام بوضح سلاح "المطواة" في ظهره كي يخرج تقارير الطب الشرعي تبعًا "لهواه" وسبب الوفاة بأنهم قتلوا بطلقات نارية من الجيش، أثناء فض اعتصامي "رابعة والنهضة".
وأشار إلى أن جميع الحالات لا يمكن أن تخرج دون تشريح لأن الشكل الظاهري للإصابة لا يكفي التقارير الطبية، فهناك مقذوفات تكون مستقرة في الجسد ولا تظهر إلا بالتشريح، مثلما حدث في فض اعتصام رابعة، رغم أن المشرحة كانت مقتحمة من قبل الأهالي، وكل جثة نقم بتشريحها يكون عدد الأهالي الواقفين أكبر من الأطباء الشرعيين، إلا أن المشرحة لم تقصر في دورها أنذاك.

"توجهنا اتهمات بـ"تسييس" التقارير وتزويرها":
دومًا ما ينظرون إليها على أنها منبع للفساد والتزوير والتقارير "المسيسة"، فأصبح الجميع مترصد بها وبما تخرجه بين حدث وآخر، الأمر الذي حدثنا عنه عبد الحميد بأن تلك الظنون لها علاقة فقط بتركيبة الشعب.
وعن تضارب تقارير الطب الشرعي في الكثير من الأحداث السياسية، قال عبد الحميد إنه في بعض الأحيان يخرج تقرير طبي ويعترض البعض عليه لعدم تطابقه مع الحالة المذكورة فيتم تشكيل لجنة ثلاثية وقضائية، تخرج أحيانًا بتقرير آخر مخالف للرأي ولكن ليس للمرئيات.
وتابع أنه من الممكن أن يكون تفسير الحالة مختلف من طبيب إلى آخر، فيكون الثاني قد درس وتحقق من الأمر بشكل أعمق ونظر له من خلال منظور آخر، به استنتاجات متعمقة بشكل كبير للنتيجة النهائية.
وحين تطرقنا للحديث حول واقعة استشهاد "خالد الجندي" الشاب المصري الذي تضاربت التقارير الطبية بشأن سبب وفاته، فتارة تخرج بأن الوفاة نتاج حادثة سير، وتارة أخرى كان سبب الوفاة التعذيب في معتقل "الدرب الأحمر".
الأمر الذي أرجعه عبد المحميد إلى حجة عدم وجود متحدث إعلامي باسم "مصلحة الطب الشرعي"، فحين زادت الأحداث السياسية وحالات الوفاة المثيرة للجدل فضلًا عن الشائعات التي أثارها أهالي فض اعتصام رابعة والنهضة، أن أطباء المشرحة يقومون بإجبارهم على كتابة أن سبب الوفاة انتحار، تم تعيين متحدث رسمي للمصلحة.