رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاتحاد الفيدرالى العربى.. به نحلم فمن يحققه..؟


فى إطار الظروف التاريخية العصيبة التى يمر بها واقعنا العربى المأزوم، ذلك العالم الذى بات ولا يظل يعانى من مشكلات أساسية تعترض حياته وتعيق تقدمه إلى المعيشة الملائمة،والمكانة الدولية المناسبة، التى بات ينشدها إبان كل حكم جديد. وأول هذه  الطموحات تحرره من براثن التبعية لدول الغرب.تلك التبعية التى كرست فكرة انفصال إرادة الشعوب عن إرادة أنظمتها الحاكمة، فكان الغرب دائماً هو المهيمن على مقدرات الأمور فى المنطقة العربية؛ وفرضت على شعوبها عزلة سياسية عن بعضها، واختلقت الأزمات بين الشعوب؛ مما أدى إلى مفصلة القوى السياسية ، وتسييس قوى الشعب المعارضة؛ بما يخدم الأنظمة الحاكمة من جانب، وعلى الجانب الأخر يؤبد فكرة العزلة السياسية بين الشعوب العربية، ويكرس التبعية المطلقة للدول العظمى.

ولما كان للأنظمة العربية الحاكمة إرادة مغايرة ومتعارضة مع إرادة الشعوب ..فقد ساهمت هذه الأنظمة الفاسدة فى وقوع الشعوب العربية فريسة لاحتراق هويتها ذات الطابع الإسلامي والعربي الأصيل، بداية من اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 التى ألبست الشعوب العربية أثياب فرنسية وأخرى انجليزية وثالثة إيطالية، وصولاً إلى المد الشيعي الصفوي الذى ينخر كالسوس فى عظام الأمة.

 واستمر الوضع المأزوم لسنوات من الكفاح تحملها الشعب العربي وحده فى سبيل تحرير أراضية وتأمين مطعمه، ورغم تحقيق الاستقلال فى الأرض،  بيد أن مازال مستوطنا فى العقل العربي البسيط. الذى راح بشكل مدفوع يحطم الحضارة الآشورية فى الموصل ويحرق عن جهل وتعمد المجمع العلمي بالقاهرة ويهدد بمنتهى الغباء بفرض النقاب على أبوالهول ويمارس القرصنة على ما تبقى من أثار خالدة .. فى محاولة مدروسة لطمس معالم الحضارات العربية وتشويه ما تبقى منها .. والفاعل هنا ليس مجهول فهو بالتأكيد ليس عربى ..!

فإذا كانت دول المغرب قد حرصت منذ بواكير الاستعمار على جعل المنطقة العربية سوقا فسيحا لبيع منجاتها، فما زال الوضع قائماً بعد الاستقلال، وحرصت هذه الدول على بث روح الفرقة بين كافة الشعوب العربية بل وعملت على وأد أي فكرة للإصلاح وتوحيد للصف، وحاربت أي نية للتكامل الاقتصادي أو العسكري. ولعل فشل المشروع الناصري عام 1961م فى تأسيس الجمهورية القومية خير شاهد على نية الغرب المستعمر فى فض الشمل العربى.

والآن وقد أثبتت الشعوب العربية بأنها تملك الإرادة الحقيقية وأنها صاحبة الكلمة الأولى ة فى تقرير مصير أمتها واختيار من يقودها إلى المستقبل الذى تنشده. فقد تبلورت فكرتنا لتوحيد الصف العربى من خلال دعوة الشعوب العربية قاطبة لتكوين اتحاد فيدرالي عربي يجمع شتات امتنا ويحفظ لها كرامتها ويحقق لها كفايتها فى علاقات تقوم على التكامل والهدف الواحد مع الحفاظ على هوية كل دولة ومكتسباتها الثقافية. ومن ثم فإننا نميل إلى محاكاة نموذج الاتحاد الأوربي الذى استطاع أن يوحد بين الدول الأوربية ذات المصالح والثقافات والأوضاع الاقتصادية والسياسية المتباينة، وجاءت هذه الفكرة إيماناً منا بأن إصلاح أمتنا لن يأتي إلا من داخلها، فقد أثبتت الأيام أن تبعية الأنظمة الحاكمة العربية لدول الغرب والاحتماء بها لن يحميها من غضب شعوبها، بل كانت هذه التبعية مصدر ضعفها وتفككها وضياع هويتها. ولا سبيل أمامنا الآن لمواجهة الارهاب الأسود بشتى أنواعه الفكرية والاقتصادية والمسلحة  إلا بالتحالف الاقتصادي والعسكري وإذابة كافة الخلافات العربية وإجراء مصالحات عربية واسعة لا مكان فيها للتدخلات الأجنبية؛ حتى تتمكن هذه الدول البيضاء من تشكيل الاتحاد الفيدرالي العربى المنشود، الذى  ربما تنبثق منه حكومة فيدرالية عربية قادرة على تأسيس جيش اتحادي عربي وسوق عربية مشتركة.. فمواجهة الإرهاب لا يكفيها تكون بالتحالف العسكرى وحده .. ولكن بتحالف عسكرى يدعمه تحالف اقتصادى .. وها هو الرئيس السيسى يمده يده فمن من العرب يملك جرأة المساندة؟