رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قراءة فى القوائم الحزبية


التعددية الحزبية هى أهم مقومات النظام الديمقراطى والتعددية تعنى وجود أكثر من حزب سياسى فى الحياة السياسية أى وجود أكثر من برنامج سياسى يحمل رؤية سياسية تحكم وتحدد عمل الحكومة التى ستكون من أغلبية الحزب الفائز فى الانتخابات الذى سيشكل هذه الحكومة على أن تكون هذه الرؤية شاملة المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويمتلكها الحزب لإقناع الجماهير ببرنامج الحزب بما يتوافق مع تطلعات وتحقيق آمال هذه الجماهير. أى أن أساس الحياة الحزبية يعتمد على برنامج وكوادر حزبية، فأين أحزابنا السياسية الموجودة فى الساحة من هذا؟

الأصل فى طريقة تكوين الأحزاب هى أن تكون من أسفل إلى أعلى أى أن يتفق ويتوافق مجموعة من الجماهير الواعية مع مجموعة من الناشطين والمفكرين حول عدة أهداف مطلوب تحقيقها لصالح الجماهير التى تتوافق مطالبها وأهدافها مع هذه الأهداف ويتم إعلان الحزب الذى يعمل بعد ذلك بكوادره ومن خلال مواقفه العملية على ضم أكبر كم جماهيرى للحصول على الأغلبية البرلمانية لتشكيل الحكومة التى تترجم هذه الأهداف وهذا البرنامج إلى سياسات عملية عن طريق برنامج هذه الحكومة، ولأنه لم يحدث هذا حيث إن جميع الأحزاب قد جاءت وولدت عن طريق قرار فوقى بإنشاء هذه الأحزاب عام 1977 ومنذ هذه اللحظة وقد توارثت جميع الأحزاب مرض الفوقية الذى أفقدها فرص تكوين كوادر حزبية حقيقية.

كما أن هذا التشكيل الفوقى كان يتم بشكل ميكانيكى بلا روح وفاقداً للحياة الحزبية عن طريق مجموعة أصدقاء أو مجموعة عائلية يربطها النسب والقرابة يؤلفون برنامجاً نظرياً مستعرضاً للبلاغة غارقاً فى مصطلحات لغوية لا علاقة لها بالجماهير وهنا تساوت وتداخلت وتشابهت جميع البرامج الحزبية ففقدت تأثيرها قبل أن تولد، وللأسف والعوامل كثيرة متشابهة ومتداخلة أصبحت كل الأحزاب بهذه الطريقة حتى الأحزاب التى تتوهم أنها تاريخية، وعلى ذلك ولذلك كان من الطبيعى أن نرى هذه المهازل وتلك الفضائح التى كشفت المستور عن هذه الدكاكين الحزبية وعرت قيادات وقامات توهمت وملأت الدنيا ضجيجاً حول كفاءتها وإمكاناتها وقدراتها الحزبية، وذلك عند تشكيل ما يسمى بالقوائم الحزبية للانتخابات البرلمانية.

أولاً: وجدنا أن جميع القوائم التى ترشحت وقبلت أغلبها قوائم لا علاقة لها بالأحزاب فهى تحمل أسماء وتشكيلة من كل نوع ومن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وبلا لون ولا رائحة ولا يجمعها لا هدف ولا برنامج ولا فكر متقارب غير المصلحة الشخصية والذاتية للمستقلين والكوادر بعض الأحزاب المتهافتين على البرلمان والذين يعلمون أن أحزابهم لم تسعفهم فى الوصول إلى الكرسى، هذا عدا قوائم النور والجبهة التى هى تجميع لأسماء بعض الأحزاب مع العلم أن الجميع متسابق على البحث والخطف لأسماء مستقلة لا علاقة لها بأى حزب.

ثانياً: إذا لم يكن يناير ويونيو ثورات قد أدت إلى تحقيق تغيير جذرى على أرض الواقع، ولكن فإن أضعف الإيمان أنهما قد كسرا حاجز الخوف لدى الجماهير ونشرا حالة من حالات المعرفة السياسية التى ستتحول إلى درجة من الوعى السياسى.

ولكن هذه القوائم كشفت الإصرار على عدم الإيمان بإحداث أى تغيير حقيقى، فقد رأينا نفس الأسلوب ونفس المنهج الذى كان يمارسه الحزب الوطنى المنحل وهو تدخل الأجهزة الأمنية والسياسية فى تشكيل قائمة بذاتها ضغطاً وتشكيلاً تصوراً أن هذه القائمة ستكون مساندة للسيسى وللنظام، وهذا كان مع قائمة الجنزورى وقد انتقل نفس الأسلوب مع قائمة ما يسمى فى حب مصر، وهنا نؤكد أن الاستعلام عن مرشحين والبحث عنهم وإغرائهم أو الضغط عليهم قد تم عن طريق جهاز الأمن والمحافظين وهذه فضيحة يتحملها النظام ويخجل منها من يمتلك أى شرف سياسى ووطنى وادعاء بالثورية ولكنها المصلحة يا سيدى.

ثالثاً: يتصور أصحاب الدولة المدنية واجب الوقوف وراء فى حب مصر لمواجهة النور بعيداً عن تفتيت الأصوات حتى لا يكسب النور، وهنا نرى الانتهازية الصارخة من الجميع، فقد رأينا الكل يتسابق لحب مصر باعتبار أنها قائمة النظام، ووجدنا جميع كوادر الأحزاب التى كانت مع الجنزورى تسرع إلى حب مصر وعندما سئل المناضل القبطى عماد جاد عن البرامج والأهداف قال نحن فى ساحة صراع سياسى وكنا فى إطار قيم دينية «ونعم الانتهازية الحقيرة»، وجدنا شيخ المناضلين مصطفى بكرى العابر للحدود يناضل من أجل قائمة الجبهة ويتركها فى غفلة إلى قائمة النظام «عشق بقى».

وجدنا محمود تمرد الثائر التاريخى يجاور لميس جابر عاشقة مبارك وسوزان والحزب الوطنى التى تعتبر يناير رجساً من عمل الشيطان، رابعاً: أما حزب النور هو متفق مع نفسه شرعياً «فالضرورات تبيح المحظورات»، فلا مانع من وجود سيدات وأقباط فى القائمة، نظراً لضرورة دستورية كما أنه وهو الأهم قد بلغ دواء الأقباط العلقم فى القائمة حتى يكون هذا مبرراً له بقبول غير المسلمين خوفاً من حل الحزب باعتباره حزباً دينياً، هذه هى حالة الأحزاب وهذا هو وضع النخبة الانتهازية والتى تصدعنا ليل نهار بالوطنية والثورية، فالجميع لا يرى غير ذاته ولا يسعى لغير مصلحته، أما الوطن والجماهير للمتاجرة والمزايدة، الأمر خطير ولا يحتمل الهزل والتوافق الآن ضرورة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه أما ما نراه الآن فقد تجاوز كل الحدود، فمصر هى الأهم ولا نلوم غير أنفسنا عندما تضيع الفرصة ويتسرب الزمان.

كاتب وبرلمان سابق