رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثقافة الكروتة


يقال دائماً إن «الأسباب الصغيرة لها نتائج كبيرة، ففقدان المسمار أضاع الحدوة، وفقدان الحدوة أضاع الحصان، وفقدان الحصان أضاع الفارس «فعلاً....... الإهمال والفساد يكمنان فى التفاصيل... هذه هى آفة المجتمع المصرى... المشكلة فى مصر، هى فى سرعة إنهاء العمل دون إجادة... نحن لا نجيد إجادة صناعتنا وأعمالنا.. نحن مشهورون بإتقان «نظرية الكروتة».. فالجميع «بيكروت على كله» الصانع، المدرس، الطالب، العامل، الموظف، التاجر، الفلاح، الفنان، الإعلامى، رجل القانون، رجل الدين، الأستاذ الجامعى، الوزير المسئول.

كل منتجاتنا «مكروتة».. للأسف، لن تجد عملاً فنياً متقناً، لن تجد فناً موسيقياً متقناً، لن تجد كتباً، فيلماً، شاعراً، إعلامياً، محامياً، صحفياً، مزارعاً، صانعاً، موظفاً، عاملاً، صائغاً مدرساً.. مثل زمان وأيام زمان... لأن «الجميع بيكروت»، «كله بيكروت على كله».. ففقدنا متعة الإتقان وفقدت أعيننا متعة النظر إلى عمل متقن.... افتقدنا عمالة ومصنعية وجمالاً وإتقان زمان.

المصريون لا يعملون بنظرية أفلاطون «لا تطلب سرعة العمل بل تجويده، لأن الناس لا يسألونك عن الوقت الذى أنهيت فيه العمل بل ينظرون إلى إتقانه وجودة صنعه».... والأن.. هل سألت نفسك يوماً «هل أنا أتقن عملى؟.. هل أقوم بتجويده؟ هل عملى متقن؟ «الإجابة بالقطع لا.. لم يسأل أى مصرى نفسه هذا السؤال، بل لم يفكر يوماً فى طرحه على نفسه.... لأنه لو سأله لنفسه، فما كنا وصلنا لما نحن فيه الآن!!! انظر حولك... ستجد أننا لا نجيد إلا «ثقافة الكروتة» و«ثقافة البركة» «يا عم كله على البركة»... الآن.. مصر يعاد بناؤها...المرأة يعاد اكتشاف قوتها ومهاراتها وقدراتها.... الشباب يعاد اكتشافهم بشكل مختلف... الدولة يعاد كشف فسادها ومحاولات القضاء على السوس المنتشر فى كل أركانها... التعليم يعاد تأسيس أركانه، لأنه هو الطريق الوحيد لتنمية مصر وتقدمها.

أنا أعلم أن معركة مصر هذه المرة أصعب، لأننا نحارب الفساد، «ثقافة الكروتة» الإرهاب، وإرهاب هذه المرة يأتى من أعداء مجهولين لنا... لأنهم مننا، بيننا جيراننا، ولكن فى كل حروبنا السابقة كنا نعلم من العدو الذى نحاربه.. لكن...لا تصل الأمم والشعوب إلى النجاح والتقدم دون ثمن، دون محطات صعاب وفشل ويأس... لكن الأمم القوية لا تطيل الوقوف فى محطات الفشل طويلاً، بل تتعداها، تتغلب وتتفوق على نفسها، ويؤدى كل مواطن دوره فى المعركة، كلٌ وفقاً لدوره ووضعه فى المجتمع.

علينا الاهتمام بالتفاصيل، علينا الاهتمام بإتقان وجودة التفاصيل لتؤدى إلى نتائج عظيمة... إذا أردنا استعادة حضارتنا السابقة، اذا أردنا أن نصبح مثل الدول العظمى.. علينا بإجادة أعمالنا، واتباع «ثقافة الإتقان» والقضاء على «ثقافة الكروتة». أما الحرب التى تواجهها مصر الآن فى سيناء، فسنكشف عن أسرارها بالتفاصيل، الخميس المقبل إن شاء الله.

أظن أنها أول مرة أستخدم مصطلح الطرف الرابع، فقد تعودنا فى السابق، وما زلنا على سماع مصطلح الطابور الخامس باعتبار أن الطوابير الأربعة القلب والجناحين والذيل أو المؤخرة، لكن الكتاب استخدموا مصطلح الطابور الخامس إشارة إلى الجواسيس الذين ينقلون المعلومات إلى العدو