رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثقافة الصيانة الغائبة


كل شىء فى العالم له «قطع غيار».. إلا قطع الغيار البشرية!! فعندما ينتهى العمر الافتراضى لأى جزء فى الجسد الإنسانى؛ فإنه يبدأ فى المعاناة والتأثر التدريجى إلى أن يترك سطح الأرض ويذهب إلى حيث العالم الآخر، خاصة إذا كان الاعتلال والاضمحلال والضمور فى المضخة الرئيسية التى تعطى الحياة.. وهى القلب!!.

وأسمع الآن من يقول: هناك مراكز طبية تقوم بعمليات لزراعة «البديل» للأعضاء البشرية من قلب وكُلى، ولكن النتائج والإحصائيات تقول إن نسبة النجاح فى العمليات لا تزيد على اثنين بالمائة على الأكثر.. علاوة على التكاليف الباهظة التى تحمل أصفارًا تصل إلى العدد «ستة».. والتى لايتحملها كل إنسان أصيب بالضمور فى بعض أعضائه.. وليس هناك تعاقد لخدمة ما بعد الولادة والخروج إلى الدنيا؛ إلا الأمل فى رحمة الله التى وسعت كل شىء سبحانه.

ولكن فى مناحى الحياة واستخداماتنا لأدوات وتقنيات العصر الحديث من ثلاجة وتكييف وكمبيوتر ومحمول وسيارة..إلخ، فالأمر مختلف تمامًا، فنحن نشترى الأجهزة التى تعمل على تيسير ظروفنا الحياتية، ولكننا للأسف نتعامل معها بشكل متواصل حتى تتوقف تمامًا نتيجة الاستخدام المستمر دون مراعاة لأعمال الصيانة الدورية الضرورية اللازمة لها؛ لإعادة الكفاءة بإحلال وتجديد البعض من أجزائها التى تعرضت للتآكل أو الصدأ للحفاظ عليها، وهذا يعود إلى عدم الإلمام بثقافة الصيانة الغائبة كثيراً عن الأذهان، كذهاب الإنسان إلى الطبيب لمتابعة حالته المرضية وتشخيصها من وقت لآخر على سبيل المثال، لذا ينبغى أن تكون خدمة مابعد البيع جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية المبيعات لأى منشأة؛ فقد تعتقد بعض المنشآت أن دورها ينتهى بمجرد بيع السلعة وقبض الثمن، دون مراعاة لما يحتاجه العملاء من خدمات أخرى تالية لتسلم السلعة كالمساعدة فى عملية التركيب أو التدريب على استخدامها وصيانتها. من هنا يجب على كل شركة منتجة أن تعمل على إنشاء «مركز الصيانة» مواكبًا لإنتاج السلعة والعمل على تعريف المستهلك بها لضمان رفع حجم المبيعات واكتساب السمعة الحسنة فى السوق ومواجهة الشركات المنافسة بزيادة المعروض من هذه الخدمات الضرورية لزيادة ثقة المستهلك بها وجذبه، بل من الضرورى أيضاً أن تعمل كل الشركات على نشر ثقافة الصيانة بين جمهور المستهلكين عن طريق التعريف بها بالبرامج التليفزيونية وزيارة متدوبى المبيعات إلى أماكن تجمعات المواطنين كالنوادى والمحال العامة مثلا، وبهذا تضمن اكتساب ثقة العميل الذى تعرف مسبقًا أنه حريص كل الحرص على أجهزته ويبحث عن خدمات الصيانة قبل الشراء.

والأمر البديهى والأولـى والمهم.. هو ضرورة إيمان مؤسسات الدولة بثقافة الصيانة خاصة لمشروعات البنية التحتية الأساسية، فتعمل على الصيانة الدورية لعربات السكة الحديد والمترو والكبارى ووسائل النقل العام التى تعتبرمن أهم شرايين الحياة الاقتصادية وعصب التقدم والازدهار فى المجتمع وغيرها من المشروعات الكبرى التى تكلف ميزانية الدولة الكثير. إن ثقافة الصيانة فى المجتمع لابد وأن تبدأ منذ نعومة أظفار الطفل فى المرحلة الابتدائية بإضافتها كمادة أساسية فى مناهج التحصيل والدرس، وبهذا نضمن أن تنتشر لتصبح شيئًا أساسيًا فى الإحساس الجمعى وجزءاً لايتجزأ من مفاهيم التفكير العلمى الصحيح لنهضة المجتمع وحتى لايصاب بالشلل الفجائى فى تروس ماكينة الحياة التى لايجب أن تتوقف انتظارًا للبحث عمَّن يقوم بإعادة تشغيلها وعودتها إلى الحياة مرة أخرى. ترى.. هل أطلب المستحيل فى هذه الأمنية الغالية التى تشغل بالى.. وجعلتنى أتوجه بهذا النداء.. إلى كل من يهمه الأمر؟!

مركز اللغات والترجمة ــ أكاديمية الفنون