رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"داعش".. نكبة أمريكا للعالم في 2014

داعش
داعش

تنظيم "داعش".. "الدولة الإسلامية في العراق والشام".. "التنظيم المسلح الإرهابي".. "جماعة تكفيرية".. منذ تشكيل هذا التنظيم المنشق عن "القاعدة" عام 2013، تعددت أسماءه وألقابه، وأثار جدلًا واسعًا حول نشأته وأهدافه وارتباطاته، فبات اسمه وأخباره جزء لا يتجزأ من الأخبار اليومية، حيث أصبح محور حديث الصحف والإعلام، حتى ضاعت هويته ومسعاه الحقيقي بين كل هذه الأقاويل، فمن هو "داعش"؟ وما أهدافه؟ وما الأسباب التي حولته من مجرد جماعة متشددة إلى أشهر وأكبر تنظيم إرهابي على مستوى العالم.
تضاربت التقارير حول ماهية "داعش"، وأهدافه، فعلى الرغم من أن هذا التنظيم ظهر حديثًا على الساحة السورية، إلا أن تهديداته الصادمة وتنفيذه إياها، متحديًا دون خوف دول العالم العظمى، جعله يحتل المركز الأول في قائمة المخاطر التي يواجهها العالم أجمع.
قدم "أبو بكر البغدادي" التنظيم على أنه اندماج بين "الدولة الإسلامية في العراق" التابعة لتنظيم "القاعدة" وجماعة "جبهة النصرة" في سوريا، إلا أنه ما لبث الاتفاق على ذلك، حتى أمر زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري، بالفصل بين التنظيمين، مما دعا البغدادي، لإكمال المسيرة بمفرده، وأصبح التنظيم يُعرف إعلاميًا بدولة المنشقين في العراق وبلاد الشام "داعش"، وتم الإعلان عن هدفه الأكبر، ألا وهو "إعادة الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة"، وتأسيس دولة إسلامية في العالم العربي، ومن ثم التمدد نحو الدول الأخرى، واتخذ هذا الهدف "حجة" للقيام بعملياته وجرائمه.
ورأى الكثير من المحللين أن "داعش" لم يكن وليد العامين الماضيين في سوريا أو العراق، وإنما ظهوره جاء ضمن سلسلة زمنية بدأت مع تشكيل "جماعة التوحيد والجهاد" بزعامة، أبو مصعب الزرقاوي، في عام 2004 بعد الغزو الأمريكي على العراق، إلا أنه باندلاع الثورة في سوريا، وقيام السلطات السورية بقمع المتظاهرين السلميين، بدأت الفصائل الجهادية تظهر على الساحة القتالية، ومن هنا ظهر تنظيم "داعش" في سوريا، وقام بالسيطرة على عدد من المحافظات السورية، وبدأ في خوض معارك على أكثر من جبهة في الداخل السوري، واحدة ضد "النصرة"، وأخرى ضد "الجيش السوري الحر" التابع لائتلاف المعارضة السورية، وثالثة ضد "الأكراد السوريين".
وفي تطور مفاجئ للأحداث، شن "داعش" في يونيو من العام الحالي، هجومًا شديدًا على مدينة "الموصل"-ثاني أكبر المدن العراقية-، وأدى ذلك إلى سقوطها في أيدي التنظيم، بعد انسحاب القوات العراقية منها، وفرض التنظيم سيطرته بعد ذلك على مناطق واسعة في العراق، من أبرزها محافظة "صلاح الدين" التي تربط وسط العراق بشماله، وتضم مدينة "بيجي"، التي يوجد بها أكبر مصافي النفط العراقية.
ارتكب "داعش" جرائم متعددة، إلا أن ذبح الصحفيين ونشر شرائط فيديو لهم، كان الحدث الأكثر "فجاعة"، فقد صدم التنظيم العالم أجمع عند ذبحه للصحفي الأمريكي، جيمس فولي، فما كانت الإدارة الأمريكية تدرك أن التنظيم سوف يتجرأ وينفذ تهديداته ويقتل مواطن أمريكي، متحديًا الولايات المتحدة عقب شن غاراتها، مما جعل إدارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، مثار للنقد وتم تضييق الخناق عليها إعلاميًا، حيث ألقى الصحفيون والإعلام على عاتقها ذنب ما حدث، متهمين أوباما، بالتهاون في التعامل مع هذا الإرهاب، ووصل البعض إلى اتهامه بالفشل وعدم القدرة على مجابهته.
وكان لذبح "فولي" أثره على التنظيم، حيث أصبح يتصدر أخبار الصحف، وزادت شهرته، وبات الإعلام يتساءل عن ماهية هذا الخطر؟، وماهو هويته؟، وكيف يمكن القضاء عليه؟، وفي وسط هذا الضجيج، فجر "داعش" قنبلته الثانية بذبح الرهينة الأمريكي، ستيفن سوتلوف، بعد أسبوعين فقط من مقتل "فولي"، ونشر فيديو ذبحه تحت عنوان "الرسالة الثانية لأمريكا"، ما أدى إلى ظهور موجة تنديد عالمية عبرت عن سخط العالم من أفعال "داعش".
وما لبث التنظيم حتى وجه رسالته الثالثة لدول التحالف، غير عابئ بردود الأفعال العالمية الساخطة، حيث قام بذبح الرهينة البريطاني، ديفيد هاينز، ومن بعده عامل الإغاثة البريطاني الرهينة، آلان هينيج، متحديًا بذلك المملكة المتحدة، ودول التحالف لإنهاء القصف الجوي على الشام.
وفي ظل سلسلة الجرائم الوحشية لـ"داعش" مع النساء والأطفال، فقد صدم العالم بفتواه بخصوص النساء والفتيات، بعدما تم الكشف بأنه يبيع النساء الأسرى، محددًا "تسعيرة" لهن، وعلى الرغم من أن ما يفعله التنظيم من اختطاف وبيع واغتصاب للنساء والأطفال فعله غيره من التنظيمات الإرهابية الأخرى، إلا أن وسائل "داعش" الوحشية لفعل هذه الأعمال، جعلته يستحوذ على مكانة خاصة في هذا الصدد، وفضلًا عن ذلك انفرد "داعش" بأنه أول تنظيم يصدر منشورًا يتضمن فتوى تُجيز اختطاف النساء والأطفال، باعتبار أنهم "سبايا"، بل وشرع ممارسة الجنس معهن، على اعتبار أنهن "ملك أيمانهم"، وكذلك يسمح لهم ببيعهن أو تقديمهن كـ"هبة" للغير، كما شرع بممارسة الجنس مع النساء والفتيات الغير مسلمات.
دفع توغل التنظيم في سوريا والعراق، واستيلائه على مناطق شاسعة، للتساؤل والتنقيب عن مصادر تمويل هذا التنظيم، أهمها الضرائب التي تقوم بفرضها على كافة المدن، مما زاد من نسبة الأموال المتدفقة عليها بدخولها مزيد من المدن، وهو الأمر الذي يدخل له أكثر من 8 مليون دولار شهريًا.
كما يعتمد "داعش" في أنشطته الإرهابية على الخطف والسرقة والقتل والتهديدات فضلا عن تجارة المخدرات ومخططات غسيل الأموال، حيث اختطف عشرات المواطنين الأتراك والهنود بحدود المناطق الواقعة بشمال غرب بغداد، وطالبوا الحكومة والسفارات بدفع فدية لإطلاق سراحهم.
ويأتي بيع البترول على رأس قائمة مصادر التمويل، خاصة في ظل سيطرته على مناطق غنية بالنفط في العراق، حيث قام على الفور ببيع النفط الخام الذي تنتجه تلك المناطق إلى الحكومة السورية وبعض من عملائه في تركيا، خاصة في ظل سيطرته على أكبر مصفاة للبترول بـ"بيجي" في العراق.

ومن جهة أخرى، ويتلقى التنظيم الإرهابي دعمًا ماليًا وعسكريًا من بعض الدول مثل قطر وتركيا، على الرغم من نفي كبار المسئولين بتلك الدول تعاملهم مع "داعش" والحركات الإرهابية، ولكن يمكننا القول إن التنظيم يتلقى التمويل منهم بطريقة غير مباشرة.
ووفقا للتقديرات فإن ثروة داعش تتجاوز حاليا 2 مليار دولار، وهو ما يتعدى بكثير ثروات حركة طالبان وتنظيم القاعدة، وهي حركات وتنظيمات لها خبرة واسعة في ممارسات الإرهاب.