رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العلاقات الدولية بين التقارب والتباعد «11»


ولا شك فى أن نتائج انتخابات التجديـد النصفى لنواب الكونجرس الأمريكى تُعـتبر أحد المتغـيرات الرئيسية فى المعادلة الإستراتيجية الأمريكية خاصة فى علاقاتها الدولية بعـد أن سيطر الجمهوريون على مجلسيه، حيث سيؤدى ذلك إلى إحداث بعـض المتغـيرات ليس فقط على مستوى النسق الدولى، بل وفى الأنساق الإقليمية أيضا،

مازالت تفاعلات المتغـيـرات الدولية والإقليمية تبرز مدى تعارض أهداف القوى الفاعـلة فى منطقة الشرق الأوسط، إذ تسعى مصر إلى إستعادة توازنها الذى فـقـدته إبان حكم الجماعة الإرهابية، بينما تسعى القوى غـير العربية «تركيا وإيران وإسرائيل وإثيوبيا» إلى حصـد مزيد من مكاسب تداعيات فقدان هذا التوازن لصالح مشروعاتها القومية، كما تسعى روسيا حثيثا إلى استعادة نفوذ القـوة السوفييتية العـظمى، بينما تتمسك الولايات المتحدة باحتفاظها بمركز الهـيمنة على العالم والذى يتطلب عدم قيام قوة عالمية أو إقليمية يُمكنها التحكم فى إقليم حيوى مثل المنطقة العربية التى تمنح التفوق لمن يسيطر عليها، بينما تترقب الصين الموقف للمشاركة فى النفوذ على الساحة الدولية

ولا شك فى أن نتائج انتخابات التجديـد النصفى لنواب الكونجرس الأمريكى تُعـتبر أحد المتغـيرات الرئيسية فى المعادلة الإستراتيجية الأمريكية خاصة فى علاقاتها الدولية بعـد أن سيطر الجمهوريون على مجلسيه، حيث سيؤدى ذلك إلى إحداث بعـض المتغـيرات ليس فقط على مستوى النسق الدولى، بل وفى الأنساق الإقليمية أيضا، حيث مازالت الولايات المتحدة تقود تفاعلات العالم فى النظام الدولى الراهن أحادى القطبية، الأمر الذى سيؤدى إلى بروز بعـض الأزمات السياسية والاقتصادية فى الداخل الأمريكى وفى علاقاتها الخارجية، فبالرغم من أنه لن يحدث تغـيير فى الهدف المرحلى للولايات المتحدة، وهوضرورة احتفاظها بمركز الهـيمنة على العالم وعـدم إزاحته شرقا سواء إلى روسيا التى تسعى حثيثا إلى إستعادة نفوذ القـوة السوفييتية العـظمى، أو الصين التى تسعى لتحقق معـدلات تنمية عالية لتعـزيز قوتها الشاملة لكى تكون قطبا فى عالم الغـد، أو كلاهما معا، وأشرت فى المقال السابق إلى أن الكونجرس قد يبدأ بإنزال عـقوبات شديدة على روسيا، وربما الدخول معها فى مواجهات علنية بغـض النظر عن التبعات السلبية التى قد تعـود على حلفاء الولايات المتحدة خاصة ألمانيا التى ترتبط مع روسيا بعـلاقات اقتصادية مميزة، فهل يمكن أن يُوقع الكونجرس الأمريكى فى ظل سيطرة الجمهوريين تلك العـقوبات على الصين؟ وهل يمكن للصين أن تُصبح أحد أقـطاب عالم الغـد الذى ستتعـدد فيه الأقطاب كتطـور طـبـيـعـى لـلـنـظـام الدولى الراهن حيث لا يستوى أن ينتـظم النسق الدولى فى ظل هيمنة قوة وحيدة؟

للإجابة عن السؤال الأول فإنه يبدو لى أن العلاقات الأمريكية تجاه الصين لن تتغـيـر فى ظل سيطرة الجمهوريين على الكونجرس، وستستمر على نفس نهج الديمقراطيين، لكنها يمكن أن تتغـيـر علاقات الصين تجاه الولايات المتحدة بحكم تكتلاتها البشرية الضخمة ذات القوميات المتعـددة التى صهرتها فى بوتقة حضارة واحدة عريقة، فأصبحت صاحبة خصائص اجتماعـية فريدة وهـوية ثقافية مميزة، فبالرغم من أن نسقها القيمى يختلف اختلافاً جذرياً عن النسق القيمى للولايات المتحدة والغرب، إلا أنها إستطاعت أن تتخذ من القيم الثقافية الغربية ما تدعم به نسقها القيمى بما يتسق مع قيمها وتقاليدها الأصيلة، واستطاعت أن تفرق بين التغـريب والتحديث بعكس غـيـرها من الشعـوب التى فضلت التغـريب على التحديث

ويمكن الإستدلال على أن الصين هى التى يمكن أن تغـيـر علاقاتها بالولايات المتحدة من تصريح رئيس الوزراء الصينى الذى جاء بصيغة حاسمة فى المؤتمر الصحفى المشترك الذى انعـقـد على هامش القمم الاقتصادية الآسيوية، حيث أعـلن أن الصين لن تسمح للولايات المتحدة أو لغـيرها من القوى الأخرى ـ فى إشارة واضحة للغـرب ـ بالتدخل فى الشأن الداخلى لها، أو حتى فى الشأن الداخلى لأى وحدة سياسية فى المنطقة، أى فى النطاق المباشر لأمنها القومى، وأن القضايا المتعلقة بالمنطقة بأسرها هى شأن صينى خالص، وأن الإحتجاجات المطالبة بالديمقراطية فى هونج كونج هى احتجاجات غـير قانونية، وأنه يتعـين على القوى الأجنبية عـدم التدخل فى قضية هونج كونج، وفى المقابل جاء رد الرئيس الأمريكى متخاذلا بأن الولايات المتحدة غـير متورطة فى اندلاع الاحتجاجات فى هونج كونج وكأن المريب يكاد يقول خذونى

وفيما يتعلق بالسؤال الثانى وهو هل يمكن للصين أن تُصبح أحد أقـطاب عالم الغـد الذى سيتعـدد فيه الأقطاب، كتطـور طـبـيـعـى لـلـنـظـام الدولى الراهن الذى لا يستوى أن ينتـظم النسق الدولى فى ظل هيمنة قوة وحيدة؟ فإنه يُمكن القول بأن الصين قد تمكنت أولا من التحرر من تقاليدها القديمة البالية التى كانت تعـيق حريـة حركتها وتعـرقل مشاركتها على الساحة الدولية سياسيا واقتصاديا وعسكريا واجتماعيا، فتمكنت من تحقيق توازن مكانتها، وهو ما سنلقى عـليه الضوء فى الأسبوع القادم بإذن الله.

أستاذ العلوم السياسية جامعة بورسعيد