رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العلاقات الدولية بين التقارب والتباعـد «10»


وتشير النتائج إلى أن الأمريكيين قـد أوقعـوا أشد العـقـوبات على الحزب الديمقراطى، إذ قاموا بتسليم الكونجرس بمجلسيه إلى الجمهوريين، وهو ما يُعزز مؤشرات استطلاع الرأى التى تشير إلى تدنى شعـبية أوباما إلى أدنى مستوياتها، ويدعـم تصنيف مجلة فوربس لأوباما ليكون تالياً لبوتين للعام الثانى على التوالى فيما يتعلق بشخصية القائد السياسى الأكثر نفوذاً وتأثيراً فى تفاعلات العالم والأكثر صلابة وحسما للمواقف
تناولت فى الأسبوعين الماضيين كلمة الرئيس بشأن عملية «كرم القواديس» الإرهابية، حيث فرضت نفسها على الساحات المصرية والإقليمية والعالمية، واليوم أعود لاستكمل موضوع العلاقات الدولية بين التقارب والتباعـد الذى بدأته منذ تسعة أسابيع مضت، فمازالت تفاعلات المتغـيـرات تبرز مدى تعارض أهداف القوى العالمية والإقليمية الفاعـلة فى المنطقة، إذ تسعى مصر إلى استعادة توازنها الذى فـقـدته إبان حكم الجماعة الإرهابية، بينما تسعى القوى غـير العربية «تركيا وإيران وإسرائيل وإثيوبيا» إلى حصـد مزيد من مكاسب تداعيات فقدان هذا التوازن لصالح مشروعاتها القومية، وتسعى روسيا حثيثاً إلى استعادة نفوذ القـوة السوفييتية العـظمى، بينما تتمسك الولايات المتحدة باحتفاظها بمركز الهـيمنة على العالم والذى يتطلب عدم قيام قوة عالمية أو إقليمية يُمكنها التحكم فى إقليم حيوى مثل المنطقة العربية التى تمنح التفوق لمن يسيطر عليها.

ولا شك فى أن نتائج انتخابات التجديـد النصفى لنواب الكونجرس الأمريكى تُعـتبر أحد المتغـيرات الرئيسية فى المعادلة الاستراتيجية الأمريكية خاصة فى علاقاتها الدولية بعـد أن سيطر الجمهوريون على الكونجرس بمجلسيه، الأمر الذى سيؤدى إلى حدوث بعـض المتغـيرات فى النسق الدولى والأنساق الإقليمية، حيث تقود الولايات المتحدة تفاعلات العالم بحكم احتلالها منفردة قمة بنيان النظام الدولى الراهن، وبالرغم من أن سيـاسـة وأهـداف الولايات المـتـحـدة فى مـنـطـقـة الشـرق الأوسـط سـتـظـل ثـابـتـة لا تـتغـير بتغـير الإدارات، إلا أن الـذى يـمكن أن يـتغـيـر هـو مراجعـة تقـيـيـم الأهـداف وإعادة ترتـيـب أسبقياتها وتغـيير أدوات تحقيقها فى ظل سيطرة الجمهوريين الذين يأملون بالفوز فى الانتخابات الرئاسية القادمة لتكون إدارة شئون الولايات المتحدة خالصة فى أيديهم.

وتُشير النتائج إلى أن الأمريكيين قـد أوقعـوا أشد العـقـوبات على الحزب الديمقراطى، إذ قاموا بتسليم الكونجرس بمجلسيه إلى الجمهوريين، وهو ما يُعزز مؤشرات استطلاع الرأى التى تشير إلى تدنى شعـبية أوباما إلى أدنى مستوياتها، ويدعـم تصنيف مجلة فوربس لأوباما ليكون تالياً لبوتين للعام الثانى على التوالى فيما يتعلق بشخصية القائد السياسى الأكثر نفوذاً وتأثيراً فى تفاعلات العالم والأكثر صلابة وحسما للمواقف، ويُبرر أيضا تدنى نسبة المشاركة فى الانتخابات إلى 38% حيث تُعـد من أدنى معـدلات المشاركة للناخب الأمريكى، وهو ما يُؤكد عـدم رضا الأمريكيين عن الأوضاع التى وصلت إليها بلادهم تحت إدارة الديمقراطيين، وقد أدى عـدم احتفاظ الديمقراطيين بالأغـلبية فى مجلس الشيوخ واحتفاظ الجمهوريين بالأغـلبية فى مجلس النواب إلى اختلال التوازن فى الكونجرس، الأمر الذى قد يُؤدى إلى بروز بعـض الأزمات السياسية والاقتصادية فى الداخل الأمريكى، نتيجة للمواجهات المباشرة التى قد تحدث بين الأغلبية المنتمية للحزب الجمهورى وبين الرئيس الذى ينتمى للحزب الديمقراطى والذى يتمتع بحق الاعـتراض.

خاصة عـنـد طرح القضايا الداخلية الحساسة التى وعـد بها أوباما الأمريكيين أمام جمهوره الحاشد فى خطاب النصر بفوزه بفترة رئاسته الثانية، حيث وعـدهم بالتغـلب عـلى التحديات التى تواجه الولايات المتحدة، واستكمال تحقيق آمال الجميع خاصة الطـبـقـة الوسطى، ووعد الجمهوريين والديـمقراطـيـين على حد سواء بأنه سيحقق العـدل والمساواة بينهم، ولذلك فهو عائـد إلى البيت الأبيض وهو مفعـم بالآمال والإلهام من أجل تحقيق مستقبل أفضل للولايات المتحدة.

وفيما يتعـلق بالعلاقات الأمريكية الخارجية فإنه من المؤكد عدم حدوث أى تغـيير فى هدف الولايات المتحدة المرحلى، وهو ضرورة احتفاظها بمركز الهـيمنة على العالم وعـدم ازاحته إلى روسيا التى تسعى حثيثاً إلى استعادة نفوذ القـوة السوفييتية العـظمى، أو الصين التى تحقق معـدلات تنمية عالية لتعـزيز قوتها الشاملة مما يؤهلها لتكون قطباً فى عالم الغـد، الأمرالذى يُؤدى إلى تحويل النظام الدولى الراهن ليكون ثنائى القطبية أو متعـدد الأقطاب، وهو ما يتعارض مع مبدأها الذى يقضى بعـدم قيام قوة عالمية أو إقليمية تكون قادرة على التحكم فى إقليم حيوى مثل المنطقة العربية قلب العالم الذى يمنح التفوق لمن يسيطر عليها، ولذلك فمن المتوقع أن تشهد العلاقات الدولية بعض الأزمات السياسية والاقتصادية وربما العسكرية والأمنية فى ظل سيطرة الجمهوريين على الكونجرس، وقد تبدأ بإنزال عـقوبات شديدة على روسيا وربما الدخول معها فى مواجهات علنية بغض النظر عن التبعات التى قد تعـود بالسلب على حلفائها خاصة ألمانيا التى ترتبط بعلاقات اقتصادية مميزة مع روسيا، وربما أيضاً غـض النظر عن التبعات التى قد تصيب اقتصاد الولايات المتحدة ذاتها.

أما فيما يتعلق بعلاقاتها بالصين ودول النسق الإقليمى لمنطقة الشرق الأوسط، فإنه يمكن التأكيد على أن موقف الجمهوريين يتسق كثيراً مع موقف الدولة اليهودية، خاصة فيما يتعلق بالصراع العربى الإسرائيلى أو القضية الإيرانية والقضايا الخلافية الأخرى، وهو ما سنعرضه فى المقال المقبل بإذن الله.

أستاذ العلوم السياسية بجامعة بورسعيد