رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا ندوس الآمال وهى صغيرة؟


أظن أننا نحن الكبار قد فقدنا الثقة فى بعضنا البعض، فقدنا الثقة فى أحزابنا، فى أقوالنا، فى نشاطنا، أحياناً فى نزاهتنا، وعامة فى قدرتنا على تحقيق شىء عظيم وملهم، كأن نقوم معاً بمحو أمية شعبنا بالكامل، يتطلع كل منا للآخر، يزنه، يمعن النظر إليه، فلا يرى كل منا فى الآخر سوى سفينة مغروزة فى الرمال، قد يكون فيها شيء ما مازال صالحا للاستخدام، لكن ليس مكتوباً لها أن تبحر ولا أن تفرد أشرعتها بجسارة فى العاصفة. تراخت قبضات الفرسان المتعبين وأمسى السيف وحيداً وعندما تجوب ببصرك فيما حولك لن تجد أملا إلا فى الأطفال الصغار تنظر إليهم، وهم يتعثرون فى سيرهم، ينكفئون وينهضون يضحكون ويلثغون، يكركرون بالضحك، فتصفو أحلامك، تهمس فى سرك للطفل الصغير، تتوسل إليه «لا شىء سواك أكبر، كن أملاً لى وللوطن» الصغار الذين لا يعرفون بعد أنهم كل آمال الآخرين فى محو أمية هذا الشعب، وإطعامه، وإسعاده، وتعليمه، وعلاجه. تتطلع إلى زهرة الطفولة النابتة وتدعو الله اللهم احفظها وإرعاها إلى أن يفوح عطرها، لكن الأيادى تمتد لتدوس الآمال صغيرة، وتقتلعها قبل أن يجرى رحيقها وحادثة أتوبيس البحيرة فى 5 نوفمبر الحالى نموذج لذلك قتل فيها 18 طفلاً، بريئاً سبقتها عام 2012 حادثة قطار منفلوط وراح ضحيتها خمسون طفلاً آمال كانت تضحك لنا ثم انطفأت وإذا لم تقتلع الأمانى بحوادث الطرق فإنهم يضربونها ويعذبونها كما وقع فى دار«مكة المكرمة» لرعاية الأيتام بالجيزة فى يوليو الحالى، أو يغتصبونها مثلما عرفنا عن حضانة منطقة العمرانية هذا الشهر، علما بأن فى مصر عشرة آلاف دار حضانة كتلك لاتخضع لرقابة ووفقا لدراسة أعدتها الدكتورة فادية أبو شهبة فإن عشرين ألف حالة تحرش واغتصاب تقع سنويا فى مصر 85% من ضحاياها أطفال وإذا لم تقتلع الزهرة أو تداس بالضرب والتعذيب والاغتصاب فإنهم يطوقونها بالجوع والتشرد وحسب معطيات منظمة اليونسكو يعيش فى الشوارع بمصر نحو مليون طفل مشرداً والأطفال الذين أتحدث عنهم يشكلون – حسب الجهاز المركزى للإحصاء- أكثر من ثلث السكان، أربعون بالمائة منهم محرومون من التعليم بسبب ارتفاع النفقات وأكثر من خمسة وعشرين بالمائة منهم «أى 8 ملايين» فقراء وإذا نجا الأطفال من الضرب والاغتصاب والتشرد فإن حوادث التسمم تتربص بهم وقد شهد العام الحالى وحده سبع حوادث تسمم كبيرة بدءا من مارس حتى نوفمبر الحالي، وبلغ عدد ضحايا تلك الحوادث وحدها مائة وأربعة وثلاثين طفلاً! توالت حوادث التسمم فى سوهاج، والإسماعيلية، وبنى سويف، وكفر الشيخ، وأسوان، وغيرها، بعضها بسبب وجبات فاسدة وبعضها بسبب أدوية منتهية الصلاحية! إنهم يدوسون آخر ما لدينا من آمال، يدوسون الضوء الأبيض، ويخمدون العطر فى الزهرة قبل أن يفوح، أتذكر الآن الغارة الإسرائيلية على مدرسة بحر البقر فى أبريل 1970، كان عدد ضحاياها من الأطفال ثلاثين طفلاً فقط! لكننا فى عام واحد فقط قتلنا بأيادينا مائة وأربعة وثلاثين طفلا بالتسمم غير ضحايا حوادث الطرق! كم طفلا نقتل كل عام؟! كم أملا ندوس بغلظة ووحشية؟ هل صرنا قتلة أنفسنا؟ أصبح بقاء الأمل على قيد الحياة معركة حتى إننى صرت الآن إذا نظرت إلى طفل أشفق عليه وأهمس له فى سرى «ربنا يصونك أكبر فقط أكبر