رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

باتريك موديانو.. خدعة نوبل


حصل الروائى الفرنسى «باتريك موديانو» على نوبل فى الأدب هذا العام. وللأديب روايتان مترجمتان إلى العربية الأولى «مجهولات» عن «دار ميريت» والثانية «شارع الحوانيت المعتمة» عن «روايات الهلال». وكالعادة تطلعت وسائل الاعلام عندنا بانبهار إلى الفائز وإلى الجائزة وأخذت تعيد طباعة مقتطفات من الصحافة العالمية تتغنى بعبقرية الروائى الفرنسى!! وعظمته. والحق أنى لم أجد لا عبقرية ولا غيرها فيما قرأته للروائى الفرنسى. ولنأخذ مثلاً روايته «شارع الحوانيت المعتمة» مع ملاحظة أنها عمله الخامس (1978) وليست من البدايات التى يغتفر لها الضعف وقلة الخبرة. الشخصية المحورية إنسان فقد ذاكرته ويبحث عن أصوله وتاريخه. الموضوع ثرى ويشتمل على إمكانيات واسعة للعمل الأدبى. لكن «موديانو» يتناول القصة كعمل بوليسى، تتكشف فيه الحقيقة بتركيب التواريخ والأحداث قطعة وراء قطعة لتشكيل اللوحة العامة. ما الذى تقوله فى النهاية الرواية التى اختار لها موديانو حبكة بوليسية معتادة فى الأفلام التجارية؟ لا يقول شيئاً. ولا يستطيع «موديانو» خلال عمله أن يضع يده على حقيقة واحدة مهمة أو ملهمة خلال بحث البطل عن جذوره. قرأته ووجدته روائياً من الدرجة الثالثة لا أكثر! لكن مع حصوله على نوبل، انهالت عليه كل أصناف المديح فى عبارات غامضة من نوع أن موديانو « منقب فى الذاكرة». ماذا تعنى تلك الجملة إذا نحَّينا جانباً أنها قادمة إلينا من أوروبا اللامعة الباهرة؟. هل هناك حرفة اسمها « منقب فى الذاكرة»؟ أم أن التنقيب فى الذاكرة مدرسة أدبية جديدة؟. ويشير تقرير الأكاديمية السويدية إلى أنه تم منح موديانو الجائزة : «لفن الذاكرة الذى استحضر من خلاله مصائر إنسانية هى الأصعب فهماً. «من جديد.. ماذا يعنى ذلك؟! هل هناك ما يسمى «فن الذاكرة»؟ هناك فن القصة، فن الرواية، إلى آخره، لكنى لم أسمع من قبل عن فن الذاكرة. المشكلة أنه من السهل دائماً تعرية الهراء عندما يصدر من بيننا، لكن إذا جاء الهراء من الخارج الثقافى فإننا نتطلع إليه بانبهار، ونتشكك فى عقولنا وعيوننا وذائقتنا الأدبية، لكننا لاسمح الله لا نستريب فيما يقوله الخواجات. فى مقال بديع للدكتورة «عزة مازن» تستشهد بعدد من كبار النقاد الأوروبيين منهم الناقد الإنجليزى «جون فلور» الذى يشير إلى الملاحظة نفسها وهى «أن معظم أعمال موديانو تدور فى إطار الرواية البوليسية.. ولا عجب أن رأى بعض النقاد فى ذلك دلالة على فقر الخيال، أو استغلالاً لتقنيات تضمن للكاتب أعلى المبيعات». بالنسبة لى كقارئ لا أرى فى موديانو أديباً كبيراً جديراً بجائزة نوبل، أما عن الأسباب التى منحته الأكاديمية السويدية على أساسها الجائزة فقد تكون أن أغلب ماكتبه تناول فترة الاحتلال النازى لفرنسا والتنكيل باليهود كما فى روايته « دورا برودر» 1997، وغيرها. وللأكاديمية الحق فى أن تمنح الجائزة لمن تشاء، ولى الحق أيضاً فى أن أقرأ الأعمال بعينى أنا وليس بأعين مبهورة من أضواء جائزة نوبل التى سبق منحها لأدباء متوسطى القيمة تماماً مثل «ألفريدى بلينيك» عام 2004، ومثل « هيرتا موللر» الألمانية فى 2009، ويمكن القول إن الأديب الصينى «مو يان» الذى فاز بها عام 2012 أديب كبير، لكنه ليس عظيماً، أما مونديانو فإنه أديب اعتيادى جداً، لا يرقى لمستوى بعض أدبائنا العرب. فلنقرأ بعقولنا بعيداً عن الضوء الساطع المسلَّط على أعيننا