رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حماس والشعار الرجيم


لا أظن أبداً أن ما يحدث فى سيناء حالياً يتم بعيداً عن يد حركة حماس الإرهابية، وستكشف الأيام الدور الخسيس الذى قامت وتقوم به هذه الحركة لخدمة الأمريكان والصهيونية، فلا حماس أُنشئت لتكون حركة مقاومة للاحتلال الصهيونى لفلسطين، بل أنشئت لتكون فى خدمة هذا الاحتلال عن طريق قسمة وتفريق التوجه الوطنى الفلسطينى الواحد.
ليكون الاختلاف بين فصائل المقاومة اختلافاً عقائدياً، وكأن الله أراد أن يكشف لنا طبيعة حماس لذلك كانت الأحداث التى نعيشها فى مصر والتى لا يمكن أن تكون بمعزل عن تلك الحركة العميلة.وفى وسط الأحداث التى تمر بنا وقعت تحت يدى رواية من طراز فريد كتبها روائى فلسطينى شاب اسمه «سلامة عطا الله» أما اسم الرواية فهو «الشعار الرجيم» ولكن ما قصة هذا الشعار الذى أصبح عند الكاتب رجيماً؟ هو الدين عندما يتحول من منهج للحب والتعايش والتواد إلى لافتة يرفعها بعضهم للحصول على الحكم والسلطة والدنيا، لم يضع الكاتب أفكاره فى روايته من خلال نظرة سطحية أو تجربة لغيره، ولكنها كانت تجربته هو، وحياته، وصراعاته حينما كان فى يوم من الأيام فى قلب معبد حركة حماس الإرهابية التابعة لجماعة الإخوان التكفيرية.وفى الرواية تدرك منذ اللحظة الأولى أن الكاتب كان من الممكن أن يمسك ببندقية ويمارس بها الدين، ولكنه ذات يوم وهو بعد صغير أدرك أننا لا يمكن أن نمارس الدين بالبندقية، إنما الدين هو العدل والحب والسلام، فكان أن أمسك الكاتب سلامة عطا الله بالقلم، ومن حينها والقلم سلاحه، وبذلك القلم لم يُقم الدين فى نفسه فقط، ولكنه أراد أن يقيمه فى أمته، لذلك قدم سلامة عطا الله مشروعه الفكرى من خلال هذه الرواية، وهى رواية أدبية من طراز خاص، ليست كمثلها من الروايات، ولكنها فريدة فى نوعها وتصنيفها ولغتها، كانت آيات القرآن الكريم التى تحض على التفكر والتدبر ماثلة فى ذهن سلامة وهو يخط روايته، لذلك كانت الرواية «فكراً»، وكان الكاتب ـ كما يبدو من وراء السطور ـ منفعلاً بالآية الكريمة «نون والقلم وما يسطرون» لذلك كانت الرواية «حكمة» وكانت لغته صافية ضافية رقراقة خلابة، لذلك كانت الرواية «أدباً» وكانت تراكيبه اللغوية سلسة طيعة مشوقة، لذلك كانت الرواية «تشويقاً» ومن وراء كل ذلك كانت الرواية سيرة ذاتية مؤثرة، تأثر الكاتب، فكان حقاً على القارئ أن يقرأ وكان حرياً به أن يتأثر.كانت رحلة سلامة هى رحلة المعرفة، إذ لم يكن كغيره من الغلمان يذهب إلى ملاعبهم وألعابهم، ولكنه كان رجلاً «صغيراً» كان رجلاً مذ أن كان طفلاً، يجلس مع الكبار ويسمع قصصهم ويناقشها فى عقله، سمع من أخين له كبيرين، وعرف أسرارهما، وأدرك أن «النداهة» قد سلبت وعيهما، إلا أنه ظل محتفظاً بوعيه محافظاً على عقله وسلامة تفكيره، ومع حركة الإخوان فى فلسطين بدأ الكاتب يحث الخطى، ولكنه كان فى كل حين يتوقف ليفكر ويراجع، وحين سافر إلى الجزائر وتعرف على أنماط جديدة من البشر اكتسب خبرات وخبرات، ورأى أن بعض المظاهر قد لا تنبئ عن الحقيقة وذلك من خلال الشاب الذى أصيب بالشلل الرعاش، والذى وقع فى ظن بعضهم أنه يتطوح من الخمر فى حين أنه كان يتطوح بفعل المرض، وكم كانت المظاهر خادعة، لذلك دخل كاتبنا إلى مرحلة جديدة فى المعرفة، ومنها أخذ يناقش معنا بعض أفكار الإخوان وحركتهم «حماس» وتصرفاتها، ويضعها على ميزان العقل والشرع، حقاً كانت رحلته مؤلمة، أصيب بسببها بالكثير، ولكنه ظل محتفظاً بسلامته النفسية والذهنية والفكرية، محافظاً على توازنه الإنسانى، ومع ذلك فإنك مع انفعالك بأحداث الرواية إلا أنك حتماً ستحب «صاحبنا» وستتعجب من أولئك الذين يتعسفون فى فهم الدين لكى يققوا به دنياهم، يتسترون وراء اللحية والنضال والمقاومة، حتى تصبح كل تلك الأشياء أدواتهم لا مستهدفاتهم، يكشف الكاتب برهافته الفكرية كيف ظن بعضهم أن الله سلعتهم التى بها يتاجرون، وكم آلمنا وهو يحكى لنا، ولكنه ألم المعرفة، ومع ألمه وألمك قد تجد نفسك تبكى معه فى مواضع البكاء، فقد نجح فى أن يصنع معادلة مشاعرية وفكرية نادرة، يتضامم فيها الأدب مع الدين والوطن والسياسة، فى قالب شديد التشويق، إلا أنه فى ذات الوقت كشف لنا عن حقيقة حركة حماس الإرهابية، وصدق المثل القائل «وشهد شاهد من أهلها».