رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإعلام بين التعتيم والتنوير


هناك مساحة رمادية بين النور والظلام بين المعرفة والجهل بين الحق والباطل يحاول البعض جر الإعلام إليها فى محاولة لتجميل الواقع على أساس أنه ليس فى الإمكان أفضل مما كان أو دعنا نقول تسجيل حالة اللا موقف وتوصيفها بالحيادية، أعتقد أنه إذا كان هذا مقبولاً فى ظل أحادية الرأى فإن الأمر مختلف فى ظل التعددية السياسية والاجتماعية، وفى ظل التنافس بين الفضائيات، وفى إطار ما يسمى «عولمة الإعلام» ومن ثم لا مكان لكلمة «التعتيم» فى الرسالة الإعلامية بل فى الواقع دور الإعلام أساساً هو أنه يصبح وسيلة مشروعة للمعرفة ومن حق المتلقى أن يعرف ويعلم ويتفاعل مع الأحداث، وإذا كان القصد بالتعتيم عدم إلقاء الضوء على حدث قد يكشف فساد شخص ما أو مؤسسة ما، فإنى أقول إن مثل هذا الفعل يعتبر جريمة فى حق جماهير المتلقين وحق المجتمع لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، ومما لا شك فيه أن الإعلام خاصة المرئى والمقروء يؤدى دوراً مهماً للوقوف إلى جانب الحق بغض النظر عمن هم أصحاب هذا الحق وفى السياق نفسه فى ظل تعدد مصادر الأخبار ووجود مصادر غير موثوق منها من الأهمية بمكان التريث وتدقيق الخبر وإعمال قاعدة فى مدرسة الـ BBC «من الأفضل أن أكون الثانى وأقدم خبراً صحيحاً على أن أكون الأول وأقدم خبراً كاذباً» وقد تعلمنا أيضاً أنه من الأفضل عدم إذاعة الخبر الذى تجلب إذاعته المشكلات أو بعبارة أخرى المشكلات المترتبة على عدم إذاعة خبر غير موثوق منه أقل من المشكلات المترتبة على إذاعته دون تدقيق، وهنا تأتى مهمة المحرر المسئول ويقاس نجاحه بقدرته على التمييز والاختيار بين مئات القصص الإخبارية يوميا ويقوم بترتيبها حسب سلم أولوية خضوع الخبر للمعايير المهنية وهى أن يكون الخبر جديداً وغير عادى و مثيراً وضخماً ويهم المتلقى بعد ذلك يعمل المحرر قاعدة أو قيمة المحاسبة بسؤال نفسه هل الحدث الذى يخضع للمعايير الإخبارية يفيد بأن يقدم قدراً واضحاً من المعرفة والحقائق يصبح من الصعب تجنب هذا الحدث أو التعتيم عليه؟ من هنا يمكن القول إن المكاشفة وتقديم الحقائق للمتلقى تساعد متخذ القرار على التعامل مع الواقع ودراسة الخيارات المطروحة من الجانب الإعلامى لكن ليس معنى أن كشف بؤرة فساد أو مشكلة آخر العالم بل العكس أن مثل هذا العمل يساعد المسئول على تصحيح مساره طالما أنه ليس طرفاً فى هذه المشكلة أو متورطاً فى ذلك الفساد، وفى الوقت نفسه يجب ألا يستخدم الإعلام لتصفية الحسابات بين الأشخاص فقد أصبح المتلقى من الذكاء بحيث فى إمكانه التمييز بين المدافع عن الحقيقة والمدافع عن المواقف الشخصية الأول لا يخاف فى قول الحق لومة لائم، والثانى له مصالحه وأهدافه الخاصة لقد أصبح لدى المتلقى القدرة على التمييز بين من يستخدم الوسيلة الإعلامية للهدم والآخر الذى يستخدمها للبناء، ولابد أن نشير إلى أن محتوى البرامج فى قنواتنا تحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر فهناك من يتعامل فقط مع النصف الفارغ من الكوب ويصر على النظر إلى الواقع من خلال منظار أسود، ففى اعتقادى أن هناك الكثير من القصص والأحداث فى مجتمعنا التى تدعونا إلى الفخر والالتفاف حول علم الوطن ليكون عاملاً محفزاً على العمل والإنتاج، بعبارة أخرى أن التوازن القاعدة الذهبية لإنقاذ الرسالة الإعلامية والانتقال بها إلى آفاق التنوير وهو بيت القصيد حيث إن إعمال العقل فى مواجهة الخرافات والتمسك بالعلم فى مواجهة الجهل يحقق الهدف الأساسى من التفاعل بين الوسيط الإعلامى والمتلقى.

كاتب وإعلامى مستقل