رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عودة للخطاب الدينى .... ودور الأزهر


يتفق الجميع معى على أن تراجع دور الأزهر وأفول نجمه وما أصابه من وهن خلال الستين عاماً الماضية، هو الذى أدى لظهور الفكر المتطرف وانتشار المذاهب المتشددة وفتح الباب على مصراعيه لكل من هب ودب أن يتصدر المشهد ويقود الخطاب الدينى ويعبث فى المناهج الأزهرية

سبق أن كتبت عن ضرورة تجديد الخطاب الدينى وتطوير المناهج الأزهرية، وانتهيت فى المقال الذى نشر منذ شهرين تقريباً بعنوان «الخطاب الدينى والمناهج الأزهرية بين مطرقة الغلو وسندان الحفاظ على التراث» إلى أن التجديد والتطوير ليس بدعة ولا هدماً للتراث، وإنما هو سمة من سمات ديننا الحنيف وانتقال من ضيق الرأى إلى سعة الشريعة لإخراج الأمة من حالة التيه، ومواجهة المخاطر المحيطة بها، وناشدت فضيلة الإمام الأكبر وعلماءنا ومشايخنا بألا يخشوا فى قول الحق بديننا لومة لائم ولا عبث مارق ولا كيد جاحد.

وعوداً على ما أسلفت، فقد يتفق الجميع معى فى أن تراجع دور الأزهر وأفول نجمه وما أصابه من وهن خلال الستين عاماً الماضية، هو الذى أدى لظهور الفكر المتطرف وانتشار المذاهب المتشددة وفتح الباب على مصراعيه لكل من هب ودب أن يتصدر المشهد ويقود الخطاب الدينى ويعبث فى المناهج الأزهرية، فالإناء الفارغ يمتلئ بأى شىء، ولا يشق على أى متابع أو قارئ لتاريخ الأزهر أن يدرك بأنه كان بمثابة الجبل الراسخ الذى كانت تهفو نفوس المسلمين فى شتى بقاع الأرض لتسلق قممه والتحليق فى حلقات علمه، فقد كان منارة تشع على العالم فى أحلك الظلمات، وكان ينبوعاً لا يجف فى أشد الأوقات جهلاً وظلاماً.... وفجأة تبدل الحال فخبا دوره وانطفأ سراجه وخفت بريقه حتى أصبح ينظر إليه نظرة رثاء وتحول الجميع عنه وأشاحوا بوجوههم عن قبلته، ولا ريب فى أن هذا يرجع للعديد من الأسباب، منها اختراق الفكر المتطرف له وتلاعبه بعلمائه ومحاصرة دوره الريادى العالمى، وتبعيته ومشيخته للسلطة الحاكمة فى الدولة خاصة منذ قانون تطويره عام ١٩٦٠ مما نتج عنه تسييس الكثير من الفتاوى والأحكام إرضاءً للجبابرة والطواغيت من الحكام وأهل السياسة، إلى جانب الجمع بين العلوم المدنية والعلوم الشرعية فى معاهده.

وحسناً فعل المشرع الدستورى أخيراً على جعله مؤسسة مستقلة، وعدم قابلية شيخه للعزل واختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء - وإن كنت أرى أن يناط اختياره لهيئة كبار العلماء دون سواها -، فالسبيل إلى علاج مثالبه ليس بهدمه وتقويض بنيانه، بل بتضافر الجهود المخلصة على جميع المستويات للنهوض به وتنقية مناهجه وتدريس علومه الدينية وفقاً لمذهب أهل السُنة والجماعة، مع رجوع علمائه إلى السمت الإسلامى الوسطى، وضرورة قيامهم بالصدع بكلمة الحق، وأخيراً على الدولة وأهل السياسة أن يبتعدوا عن التدخل فى أى شأن من شئونه وأن يسعوا إلى زيادة الميزانية الخاصة به، لاستعادة دوره ورسالته التى كان لها أكبر الأثر فى حياة الشعب المصرى والأمتين العربية والإسلامية بأسرهما.

المحامى بالنقض