رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"يوسف" و"أدهم" ضحيتا "المقابر الحكومية حاليا والمدارس سابقا"

ادهم واخته
ادهم واخته

الإهمال والاستهتار هما وجهان لعملة واحدة وطريقهما يؤدي إلى الموت والدمار وللأسف على مدار السنوات الماضية نستمع كل يوم لأخبار ينقشع لها الجبين ولم نسمع في يوم من الأيام عن محاسبة أحد من المسؤلين أو عزله عن منصبه، فقط يكتفون بتحويل المسؤل عن الكارثة للتحقيق لتهدئة الرأي العام فقط لا غير، ثم نفاجأ بحجز التحقيقات وكأن شيئا لم يكن.
أرواح الأبرياء من أطفالنا يموتون كل يوم بسبب الإهمال ولا يتحرك لهم أحد . في حين أن هذه الكوارث لو حدثت في الدول المتقدمة لوقف لها العالم بأكمله، بداية من رئيس الدولة وحتى أصغر فرد فيها، حتى معرفة المتسبب ومحاكمته، ولكننا في مصر كل هذا الكلام مجرد أحلام.
الأسبوع الماضي توفي أحد فلذات أكبادنا، وهو الطفل يوسف الذي توفي بمدرسته بالمطرية بعدما اخترقت قطعة من لوح الزجاج المكسور رقبته، ليلفظ يوسف أنفاسه الأخيرة، ويتواصل مسلسل الإهمال عندما حدثت كارثة أمس، وهي دهس عربة التغذية لخمسة من التلاميذ داخل المدرسة، التي أودت بحياة الطفل أدهم وإصابة آخر، وانتقلت كاميرا الدستور لمدينة أطفيح التي تبعد عن القاهرة حوالي 120 كيلو مترا، حيث قرية الكداية موطن الفقيد أدهم محمد أحمد، البالغ من العمر تسع سنوات، وذلك لرصد وقائع الكارثة ومقابلة أهل الفقيد، وعند وصولنا كان الحزن يعم أرجاء القرية، كبيرها وصغيرها، ولكن استوقفنا مشهد عند وصولنا منزل الفقيد، وهو مشهد الأطفال الجالسين بالمنزل مرتدين الجلباب الأبيض لأخذهم العزاء في صاحبهم ومن وجوههم كان يبدو عليهم وكأن أعمارهم قد تعدت سن الشيخوخة من آثار الحزن التي بدت على وجوههم البريئة.
وأكد الأهالي أن هذه الحادثة لم تكن الأولى في هذه القرية، فقد تكررت كثيرا، وذلك بسبب وقوع المدارس على الطريق السريع الذي يربط القرية بمدينة أطفيح، حيث قال محمد أمين، أحد الأهالي، إن المسؤلين على مدار الحوادث السابقة لم يتخذوا أي إجراءات أو محاسبة للمتسببين عن الكارثة، ولكنهم اكتفوا ببناء كوبري مشاه حتى يتمكن الأطفال من عبور الطريق، مشيرا إلى أن تعداد التلاميذ في الفصول تتعدى الثمانين طالبًا في الفصل الواحد.
وأضاف أنه عند محاولة شراء الأهالي قطعة أرض لبناء مدرسة عليها، رفضت وزارة الزراعة إصدار ترخيص لها.
وقال وليد أحمد عبد العال، عم الفقيد، إنهم تلقوا الخبر أثناء أذان الظهر وهم جالسون بالبيت، فوجئوا بطفلة عمرها سبع سنوات طرقت الباب وقالت بكل عفوية وذعر "أدهم خبطته عربية"، وعلى الفور انتقلنا إلى المدرسة وفوجئنا بوقوف مدير المدرسة على الباب، عندما سألناه عن الحادث رد علينا "هعملكم إيه هي العربية اللي جيبالهم العلفة".
وأضاف عندما انتقلنا إلى المستشفى، لم يشأ القدر أن نرى أدهم وعندما حاولنا إنهاء الإجراءات وإخراج تصريح الدفن، أصر مدير المدرسة تعطيل الإجراءات بحجة أن العربة لم تدهس التلاميذ داخل المدرسة، على الرغم من أن جميع الشهود الذي نقلوا التلاميذ للمستشفى، أكدوا أن العربة دهستهم داخل رواق المدرسة.
وأشار محمد عبد اللطيف، سكرتير التربية والتعليم، إلى أنه تعامل مع الطفل أدهم من خلال مصاحبته أولاده، مؤكدا أنه شعر أن أدهم عقله يتعدى سن العشرين عاما، كما أنه كان متفوقًا دراسيًا، بالإضافة إلى التزامه الأخلاقي.
مضيفا إلى أنه لم يسمع منه طيلة حياته أي لفظ خارج، لافتا إلى أن أدهم من أسرة بسيطة الحال، على الرغم من أن والده خريج كلية الحقوق ولكن لم يشأ القدر أن يجد عملًا وأيضا والدته خريجة كلية الهندسة، التي تعمل بمعهد ديني داخل القرية، مشيرا إلى أنه على الرغم من الخلافات وانتشار الثأر بين العائلات بالقرية إلا أنها اجتمعت في وفاة الفقيد أدهم، مطالبا الدولة بالنظر إلى أسرة الفقيد، وإعطائهم تعويضًا يمكنهم من العيش في حياة كريمة.
وكانت دموع الطفل أحمد عادل محمد، صديق الفقيد، هي المعبرة عن مشاعره، حيث قال إنه لا يستطيع ولن يجد من يعوضه عن خسارة أدهم، "عمري ما هلاقي صاحب زيه لأنه كان أهم حد في حياتي ومن أحسن ولاد البلد".