رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما لمؤتمر إعادة إعمار غزة.. وما يؤخذ عليه


يرى الكثيرون أن الحديث عن حل الدولتين الذى تحدث الكثيرون عن ضرورة تحقيقه عادة ما يتحدث عن دولة يهودية تعيش فى أمان، ودولة فلسطينية قابلة للحياة، أى أنه يتغاضى عن حق الشعب الفلسطينى ودولته الفلسطينية فى الحياة الآمنة، ولا أنكر أن قلة من المتحدثين حاولوا تحقيق مساواة فى الحقوق بين الدولتين.

هناك جانبان للمؤتمر الذى عقد فى القاهرة يوم الأحد 12 أكتوبر 2014 والذى دعت إليه مصر وحضره وزراء خارجية نحو 30 دولة بالإضافة إلى مسئولين كثيرين من دول أخرى، وممثلين لأكثر من منظمة دولية من أجل إعادة عمار غزة على رأسهم بان كى مون ــ السكرتير العام للأمم المتحدة ــ والأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربى، والسيدة كاترين أشتون ــ مسئولة الشئون الخارجية للاتحاد الأوروبى ــ وتونى بلير ــ مسئول الرباعية الدولية ورأس الجلسة الأولى رئيس جمهورية مصر السيد عبدالفتاح السيسى، وتناوب كل من وزير خارجية مصر ووزير خارجية النرويج رئاسة باقى الجلسات.

الجانب الأول يتعلق بالحاضرين وحماسهم للحضور وتقديرهم للدور المصرى فى تنظيم المؤتمر وكفاءة التحضير له، أما الجانب الآخر فينصب على ما جاء فى كلمات وجهود الوفود المختلفة التى شاركت فى المؤتمر حول الأوضاع فى غزة، وعن القضية الفلسطينية، والنتائج التى أعلنت عن دول شاركت فى المؤتمر والمتعلقة بما أعلنته الدول عن عزمها تقديمه من أجل إعادة إعمار غزة، وربما يأتى بعد ذلك ما قام به بعض المسئولين بعد المؤتمر سواء فى السويد وعزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ودعوة نسبة كبيرة من مجلس العموم البريطانى بقرار غير ملزم للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وزيارة السكرتير العام للأمم المتحدة لقطاع غزة بعد ذلك.

النتائج الخاصة بالدعوة إلى المؤتمر وتنظيمه والتحضير له كان لها تأثير كبير على علاقات مصر الخارجية، حيث كانت تلبية هذا العدد الضخم من المسئولين اعترافاً بالنظام الذى طالما ترددوا فى الاعتراف به، وكان اعترافهم بأهمية دور مصر فى التوصل إلى إيقاف إطلاق النيران وكذا فى الدعوة إلى المؤتمر وأهمية دور مصر فى تحقيق ما يصدر عن المؤتمر من قرارات، كذلك فقد أثبتت البيروقراطية المصرية قدرتها على تنظيم المؤتمرات الدولية وأنها لم تفقد قدراتها السابقة نتيجة لما تعرضت له الدولة من تغييرات، وأن مصر سيبقى لها مكانها الذى لا يمكن لأى دولة أو قوة أن تحتله حتى فى حال غيابها عن مكانها لفترة طالت أو قصرت. ولا شك أن لهذا انعكاساته على تعرف الدول على علاقة جيش مصر بشعبها وأثر ذلك على فهمها للأوضاع الحالية.

لا شك أن اللهجة التى سادت فى أغلب خطابات المتحدثين والتى عبرت عن رفضها لبقاء الظروف التى أدت إلى تكرار ارتفاع حدة الأزمة عدة مرات فى زمن قصير ودعوتها لضرورة حل جذور المسألة، وهو ما سبق أن ذكرناه مع بداية النزاع عن ضرورة علاج المرض لا التركيز على أعراضه تشكل تطوراً مهماً، لكنه وحده ليس كافياً، حيث المهم هو استعداد هؤلاء المتحدثين للعمل الجاد واستخدام إمكانات دولهم أو منظماتهم من أجل تحويل كلماتهم إلى واقع، بل إن هناك شكوكاً كثيرة فى مدى جدية ما أعلن عن استعداد المسئولين لتقديم المساعدات التى جاءت أكثر مما كان متوقعاً استعدادهم للالتزام بما أعلنوه، خصوصاً أن أحداً لم يعلن عن جدول زمنى للوفاء بما التزم به، واضعين فى الاعتبار أنه سبق أن أعلنت دول متعددة عن تقديمها مساعدات للشعب الفلسطينى وأن نسباً ضئيلة هى ما تحقق فعلاً من الوعود السابقة.

يرى الكثيرون أن الحديث عن حل الدولتين الذى تحدث الكثيرون عن ضرورة تحقيقه عادة ما يتحدث عن دولة يهودية تعيش فى أمان، ودولة فلسطينية قابلة للحياة، أى أنه يتغاضى عن حق الشعب الفلسطينى ودولته الفلسطينية فى الحياة الآمنة، ولا أنكر أن قلة من المتحدثين حاولوا تحقيق مساواة فى الحقوق بين الدولتين.

انتقدت بعض مراكز حقوق الإنسان وشبكات أهلية أن المؤتمر تجاهل إنهاء الحصار على غزة باعتبار أنه جريمة مخالفة للقانون الدولى، كما انتقد الكثيرون آلية الرقابة المقترحة قد يفضى إلى عدم التعامل مع إعادة الإعمار كحق من حقوق الشعب الفلسطينى، ويهدر حقوق الفلسطينيين المتضررين فى التعويض من الطرف الذى أوقع القتل والدمار بهم، ويحمل المجتمع الدولى، وليس إسرائيل كدولة احتلال، دفع فاتورة التعويض والإعمار.

ويرى البعض أنه بات واضحاً عدم إمكانية  تحقيق التنمية والإعمار فى الأراضى الفلسطينية المحتلة دون إنهاء الاحتلال وضمان حق الشعب الفلسطينى غير القابل للتصرف فى تقرير المصير والعودة تنفيذاً لقرارات الشرعية الدولية. وعليه فإن محاولة الربط بين إعادة الإعمار واستئناف المفاوضات المباشرة بالرعاية الأمريكية لا يعكس إرادة حقيقية لإنهاء الاحتلال، بل رغبة فى تكرار المسار السابق الذى استمر على مدار أكثر من 20 عاماً، واستغلته إسرائيل لفرض وقائع جديدة على الأرض عبر سياسة الاستيطان وبناء الجدار وتهويد القدس وحصار قطاع غزة والسيطرة على الموارد والحدود.

■ خبير سياسى واستراتيجى