رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حرية الإنسان .. بداية الطريق الصحيح


ليتنا نفيق ونتجه إلى العلم ونراجع ثقافتنا بكل جرأة وقوة مدركين الفارق بين العلم الذى نواكب به العصر والثقافة التى اعتدناها وشربناها فى طفولتنا وفقاً لما كان سائداً من أعراف وثقافات مجتمعية وشتَّان الفرق بين ما ربينا عليه وبين الثقافة التى نسعى إليها.

أنا إنسان إذا أنا حر، والإيمان بالله أساسه الحرية، فالإنسان حر عندما يحب ما يعمل وهو حر عندما لا يعمل إلا ما يحب، وبحرية الإنسان يرفض العبودية وبحرية الإنسان يقبل حرية الآخرين والحرية أفضل من كل أموال الدنيا.أما من يُستعبدون للمال، فقد فقدوا مع ضياع حريتهم فائدة المال وحسن استخدامه ومتعه إسعاد الآخرين به. والحرية هى الكرامة وسلاح تحرير المستضعفين والمقهورين والمهمشين، وبالحرية أحسن اختيار ما يحررنى حتى لا أسقط عبداً لشىء أو لشخص وبحريتى، أختار أن أعبد ربى وبجلاله وعظمته وفيض محبته يرفعنى من كل ما يستعبدنى، فأستطيع أن أقول «لا» رغم المغريات وبريق الحياة التى لا تتفق مع حريتى، فبحريتى أحسن الاهتداء إلى حيث أسير فى طريق الحق ، فالحق وحده الذى يغير أسلوبى ولغتى وتفكيرى. والحرية الحقيقية هى: بذل الذات لتحرير المستضعفين الذين وقعوا أسرى الأقوياء فامتلكوهم قبل أن يملكوهم شيئاً حتى فقدوا كرامتهم وأضاعوا حياتهم وهم يلهثون خلف الجبابرة الذين نسوا أنهم بشر يمرضون ويموتون شأنهم شأن سائر المخلوقات كبيرها وأدناها. وبحريتى ألجأ إلى إلهى الذى هو أعظم من كيانى وأقوى من ضعفى وأرحم على عجزى ونقصانى ومعاصىَّ وكل خطاياى.

وبحريتى أرفض كبريائى وشموخ روحى وتعظُّم عيشى وكل قواى التى تخيلتها فهى منحة وليست ميراثاً أو حقاً، وبالحرية أدرك أن الخطيئة هى الشجرة التى تثمر الألم وكل المظالم والعناد وغطرسة استعباد العباد. وبالحرية الحقيقية أدرك أن سر الوصول إليها يأتى من تشجيع وتحقيق الحرية لكل من حولى مدركاً أن لا قيمة لإنسان حر فى سجن كبير اسمه «محيط عالمى» إذ لا معنى لقدرتى على الكلام بلغة لا يفهمها كل من معى فى سفينتى «كبيرة كانت أم صغيرة»، والحرية لا يعيدها إلا الحب، فبالحب نعبد الله لا طمعاً فى حبه ولا خوفاً من نار وإنما نحبه لأنه هو المستحق لحبنا والذى بحبه رعانا وبحبه نجانا ،والحرية لا تعرف فشلاً أو يأسا بل تعرف عطاء بلا حدود وبذلا بلا قيود إلا قيد الحب ذاته. وبالحرية نختار عن رضا وقناعة طاعتنا للخالق كما عبر جلال الدين الرومى الشاعر الصوفى فى قوله:-

ولقد شهدت جماله فى ذاتى لما صفت وتصقلت مرآتى.. وتزينت بجماله وجلاله وكماله ووصاله خلواتى.. أنواره قد أوقدت مصباحى فتلألأت من ضوئه مشكاتى..

ثم قال الرومى فى وحدة الوجود وعبادة الخالق: نفسى أيها النور المُشْرقُ لا تنأ عنى لا تنأ عنى.. حُبِّى! أيها المشهدُ المتألِّقُ لا تنأ عنى لا تنأ عنى.. أنظرُ إلى العمامة أحكمتُها فوق رأسى بل أنظر إلى زنار آخر حول خصرى.. أحملُ الزنار وأحملُ المخلاة لا بل أحملُ النور فلا تنأ عنى.. ليس لى سوى مَعْبدٍ واحدٍ مسجدًا أو كنيسة أو بيت أصنام.. ووجهك الكريم فيه غايةُ نعمتى فلا تنأ عنى لا تنأ عنى.

ثم يقول الرومى لمن يطالبه بعد موته: يا من تبحث عن مرقدنا بعد شدِّ الرحال قبرنا يا هذا فى صدور العارفين من الرجال.. فهو ينشد ما بعد الرحيل حيث الحرية الكاملة من قيود الحياة الزائلة.

وخلاصة القول إنه لابد أن ندرك بوعى أن الانغلاق الفكرى وتوهم الكمال والتفوق على كل من خالفنى فكرى بدعوى تفردى فهذا وهم ناتج عن انحباس الفكر فى دائرة الذات فإذا انفتحت برؤية من خارجها أدرك الإنسان القاعدة العلمية التى تقول لا شىء يتغذى من ذاته ولا شىء ينجو للأفضل إلا بتغذية كافية من خارجه.

ومن أفضل الأمثلة نجدها فى الثقافة اليابانية إذ هى الأسرع انفتاحاً وقبولاً للمغايرة حتى إنها تقدمت، بل وتفوقت قبل ثقافات الشرق فى حين أن ثقافات أخرى ونحن منها ترفض المغايرة والانفتاح على الحداثة وحضارة العصر ولعل ما نسمعه ونشاهده من عنف وذبح ليس إلا عودة إلى التخلف وتقليد أكلة لحوم البشر وهى أبعد ما تكون عن ثقافات عالمنا الحديث ومبادئ التفكير السوى.

ولعل ما كتبه إبراهيم البليهى فى جريدة «الرياض السعودية» خير دليل ومنه اقتبس هذه العبارة «نحن العرب نعيد إنتاج تخلفنا إلى الدرجة التى انتهت بنا إلى تنظيمات القاعدة وطالبان وداعش وبوكوحرام وأخواتها التى هى نتاج ومهازل الانغلاق الثقافى والاستبداد السياسى وتزاوُج هذا الثنائى المتحكِّم بالحياة والأحياء فى البيئة العربية فلا بد أن يكون المولود الناتج عن تزاوجهما بهذا القُبح والبشاعة وشناعة الاتجاه وفظاعة النهاية».

وفى ختام حديث للمفكر السعودى إبراهيم البليهى يقول: «لابد أن نتجاوز صراع الثقافات، وأن نؤسس الحضارة الإنسانية على التآخى والحوار والتقبل» بل «نحن بحاجة إلى تأسيس ثقافة جديدة تقوم على الإقناع بدلاً من الإخضاع».

ليتنا نفيق ونتجه إلى العلم ونراجع ثقافتنا بكل جرأة وقوة مدركين الفارق بين العلم الذى نواكب به العصر والثقافة التى اعتدناها وشربناها فى طفولتنا وفقاً لما كان سائداً من أعراف وثقافات مجتمعية وشتَّان الفرق بين ما ربينا عليه وبين الثقافة التى نسعى إليها.

رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر