رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هذا القومى لحقوق الإنسان


عام 1973 زرت بلداً عربياً زيارة قصيرة لم تتكرر. أيامها قلت لنفسى لكى أتعرف على هذا البلد لابد من مشاهدة مسارحه. قيل لى إن أهم مسرح موجود بوسط العاصمة. اتجهت إلى هناك ظهراً وتوقفت أمام قوس كبير بلافتة ضخمة باسم المسرح القومى. لم أر سوى حارس وحيد جالس تحت الشمس...

... رجوته أن يسمح لى بالدخول لمشاهدة المسرح، لأنى ضيف عابر فسمح لى بهزة رأس. دخلت، فوجدت نفسى فى الناحية الأخرى من الشارع واقفا بين السيارات العابرة !عدت للحارس مدهوشاً فقال لى: «المسرح تحت الإنشاء»! لا شىء سوى يافطة تدخل من الهواء تحتها لتخرج إلى الهواء! أتذكر هذه الحادثة كلما سمعت عندنا عن « المجلس القومى لحقوق الإنسان»! يافطة ضخمة تقودك من الفراغ إلى الفراغ. مجلس مركون سنوات لحست الشمس لونه فأمسى كالحاً مترباً ولم يترك الزمن على قشرته الخارجية سوى بقع «حقوق» إنسان. مع ذلك يتأمله الناس ويفكرون من يدرى؟ ربما ينفع فى شىء!.ولد المجلس فى ظل حكومات «مبارك لحقوق الإنسان» فى يونيو 2003، بقانون رقم 94، من باب الزينة والوجاهة فى حال جاء مصر زوار أجانب. وحسب القانون فإنه تابع لمجلس الشورى هو الذى يعين رئيس المجلس ونائبه وأعضاءه الخمسة والعشرين. ولهذا وصفه مراقبون فى الخارج بأنه «شركة استثمارية تابعة لمجلس الشورى». وعلى مدى أكثر من عشر سنوات من وجود القومى لحقوق الإنسان لم يسمع أحد بإنجاز واحد ذى شأن – أو حتى غير ذى شأن -حققه «مجلس الأنس للكسل التاريخى». وهذا مفهوم، لأن حكومة مبارك حين أقامته كانت كالبلطجى الذى يطعم شهود الزور. ولذلك كانت عضوية المجس فى معظمها من عظماء المتمولين أمثال نجاد برعى، وناصر أمين، وأبوسعدة الشهير بـ «أبوشيك» نظراً للقضية التى رفعت ضده بشأن شيك تسلمه من السفارة البريطانية، مع عدد من شخصيات أخرى من الحكوميين. ويتبع المجلس ست لجان للحقوق المدنية والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والتشريعية، والدولية. فهل سمعت يوماً بموقف واحد للمجلس فى أى من تلك المجالات؟!، أسأل على سبيل المثال: ما هو موقف المجلس من قانون التظاهر؟ ما هو موقفه من اعتقال العديد من الشباب؟ وبدلا من الإجابات أخرج من الفراغ إلى الفراغ!!وإحقاقاً للحق، ولكى لا نجرد المجلس من جوانبه الإيجابية فقد نجح المجلس على امتداد عشر سنوات فى استلام رواتب أعضائه فى المواعيد المقررة بانتظام وكفاءة يشهد بها القاصى والدانى، وبدد من المال العام ما كان كافياً لبناء عدد من المدارس أو إصلاح طرق أو ترميم آثار مهملة. مرة واحدة أصدرت إحدى لجان المجلس تقريراً عن مسئولية مبارك ووزير داخليته عن قتل المتظاهرين! لكن التقرير صدر بعد الإطاحة بمبارك، فذكرنى ذلك بكاتب مسرحى ظل يتنبأ فى مسرحياته بقيام ثورة يوليو بعد وقوع الثورة بخمس سنوات! ليتهم مع تقليص النفقات الحكومية يغلقون هذا القومى لحقوق الإنسان ويحولون ميزانيته لصالح مشروع ينفع الناس كبناء مصنع لتعليب السمك، أو توزيع بطاطين على ملاجىء اليتامى، أو جمع القمامة، خاصة أن النظافة - فى اعتقادى - تأتى فى مقدمة حقوق الإنسان بينما تأتى «الوجاهة» فى مقدمة حقوق إنسان آخر يعمل فى المجلس!

كاتب واديب