رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى عيد الفلاح.. تطوير الرى وزراعات الأرز


أخشى عودة وزير الزراعة الحالى بفكره السابق فى تطوير الرى بأن يبدأ من داخل الحقول، ولا يستوعب ما قام به مزارعو محافظة كفر الشيخ من تدمير شبكة التطوير عام 2005 بعد أن تملحت أراضيهم وبارت زراعاتهم.

أخشى عودة وزير الزراعة الحالى بفكره السابق فى تطوير الرى بأن يبدأ من داخل الحقول، ولا يستوعب ما قام به مزارعو محافظة كفر الشيخ من تدمير شبكة التطوير عام 2005 بعد أن تملحت أراضيهم وبارت زراعاتهم. فنحن نرى أن تطوير الرى يبدأ من خارج الحقول عبر شبكة الترع الطويلة والمتفرعة والتى تصل إلى 40 ألف كيلو متر نفقد خلالها نحو 19 مليار متر مكعب من المياه طبقا للدراسة التى وضعتها وزارة الرى على موقع الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء وتوضح الفرق بين حجم المنصرف من السد العالى والاستهلاك الفعلى لزراعات العروات الثلاث «الشتوى والصيفى والنيلى» هذا الأمر يتطلب أن يبدأ التطوير من الترع الأصغر للأكبر، أى من المسقى، ثم المروى بتحويلها إلى خطوط مواسير لتقليل البخر والفاقد الرشح العميق والجانبى ومنها إلى ترع التوزيع والترع الفرعية مع ترك الترع تحت الرئيسية والرئيسية حاليا.

أما البدء بتطبيق نظم شبكات الرى بالتنقيط والغمر داخل الحقول فهو مغامرة كبيرة وغير محسوبة ومطلوب من الفلاح أن يسدد 12 ألف جنيه ثمناً للشبكة ونحو ألفى جنيه سنوياً للصيانة!! وتغيير الشبكة كل خمس سنوات وكأن الفلاح أصبح مليونيراً وزراعاته كاملة للتصدير رغم أن الدولة تقاوم أى ارتفاع فى أسعار الغذاء دون أن تعوض المزارعين عن هذه السياسة والتى تحققها من جيب غيرها الفلاح الفقير!! وجود شبكة للرش والتنقيط بخلاف أنه سيحد من حرية المزارعين فى زراعة الحاصلات الكثيفة مثل: القمح والبرسيم والأرز، أو الزراعات التى تزرع على مسافات مثل القطن والذرة والفول وهى مقدور عليها، فسيحرم المزارعون من الغسيل الدورى للأملاح التى تتراكم دورياً فى أرضهم الزراعية. ولأنه لا توجد مياه عذبة خالية تماماً من الأملاح، فمياه نهر النيل العذبة يحتوى المتر المكعب منها على نصف كيلوجرام فقط من الأملاح، ولكن مع ضخامة الكميات المستخدمة فى رى الحقول والتى تتراوح فى مصر رسمياً بين خمسة آلاف إلى ستة آلاف متر مكعب للفدان يعنى: أن مياه نهر النيل تضيف سنويا بين 2.5 إلى 3 أطنان من الأملاح الضارة للفدان لا بد من غسيلها دورياً وإلا أصبحت بعد عشر سنوات 30 طناً أملاحاً وتبور الأراضى الزراعية سريعا بسبب التملح.

يضاف إلى هذا الأمر أننا ننتهج حالياً سياسة إعادة استخدام مياه المصارف الزراعية فى الرى مرة أخرى وتقدر حاليا بنحو 10 مليارات متر مكعب سنوياً من إجمالى 14 ملياراً هى كل مياه الصرف الزراعى فى مصر، وما دام الأمر يعنى أن مايذهب من الزيادة فى مياه الرى بالغمر إلى المصارف يعاد استخدامه مرة أخرى فلا يوجد إذن إهدار فى المياه وهذا الأمر تسبب فى ارتفاع كفاءة الرى بالغمر فى الأراضى المصرية والتى كانت 50% فقط فأصبحت 75% وهى نفس كفاءة الرى بالرش، فلماذا التكاليف والأعباء على الفلاح خاصة أن باقى النسبة من المياه يحتاجها الفلاح بشدة لغسيل تراكمات الأملاح السنوية السابقة والناتجة سواء من مياه النيل أو الآبار، أو مياه المصارف الزراعية عالية الملوحة المستخدمة فعلياً فى الرى بسبب نقص المياه المتوافرة فى الترع ومعها المياه الجوفية السطحية التى يلجأ إليها الفلاح لنفس سبب شح مياه الترع، والجميع يعلم تماماً أن الأعم والأشمل من زراعات الأرز تروى بمياه الصرف الزراعى، لأن الأرز يتحمل الملوحة وبالتالى لا إهدار لمياه الرى، لأنها تستخدم فى رى الأرز مرة أخرى ويكون الأمر بخلاف ما يعتقد البعض أن تصدير الأرز أو توفيرة محلياً هو لتصدير أو بيع للمياه، ولكنه فى حقيقة الأمر بيع وتصدير للأملاح التى تنهك التربة وتبورها بعد أن أصبح الأرز هو البديل الوحيد للفيضان حاليا لغسيل الأملاح والتلوث من تربة الفلاح.

على مدار خمسة عشر عاماً كاملة فشل المسئولون الحاليون فى تنفيذ فكرهم فى تطوير الرى فى مصر، لأن دراساتهم مبنية على افتراضات نظرية ولم ينزلوا إلى الحقول ويقدروا ملوحة مياه الرى وملوحة «الترب الزراعية» حتى أنهم بدأوا فى تنفيذ الشبكة فى محافظة كفر الشيخ أكثر المحافظات معاناة من ملوحة التربة بسبب قربها من البحر المتوسط وبحيرة البرلس والعديد من طلابنا يحصلون على الماجستير والدكتوراة فى استصلاح أراضى كفر الشيخ وبالتالى فالأمر يحتاج دراسات واقعية يشارك فيها الفلاح دون قسر ولا إجبار ونبتعد فيها عن التعالى وسياسة نحن نعرف أكثر من الجميع فالعلم فى الحقول وما فى رأس الفلاح المصرى يفوق كثيراً ما فى رأس العديد من الأكاديميين.

أستاذ بكلية الزراعة -جامعة القاهرة