رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عقب وفاته:

"كل عام وأنت بخير"..أحمد رجب يودع المصريين قبل رحيله بـ"نص كلمة"

أحمد رجب
أحمد رجب

كانت كلماته تعتبر بمثابة صورة مجسدة للواقع المصري، فهي نبراس للحاكم تنير طريقه للوصول إلى غايات شعبه، فتلك الجرأة التي يحملها في طرح آرائه تجعله دائمًا حالة متفردة، فهو يرى بعين الفيلسوف لكنه يضع الدواء برؤية الطبيب المعالج، فيجيد قراءة الواقع الاجتماعي ونقده والسخرية منه، بتلك السخرية التي تحمل لمحات من التأمل والحزن.
الراحل أحمد رجب، أسطورة "نص كلمة"، التي سكتت بالأمس، لتنعي رحيله، سجل التاريخ حروفه في "نصف كلمة" بأحروف من ذهب، فما من كاتب إلا سيفنى، ويبقى الدهر ما كتبت يداه.
"سبحان مغير الأحوال!، الرئيس الآن يتم تعيينه بأغلبية أصوات المصريين، وقبل الثورة كان الرئيس يجدد أولًا مدة تعيينه رئيسًا ثم يذهب المواطن إلى صناديق الاقتراع، ليقول نعم موافق على تعيينه لمدة 16 عام"، كانت كلمات أحمد رجب عقب اختيار الشعب للرئيس السيسي، مشيدًا بموقف المصريين في الانتخابات وثورة 30 يونيو.
آبان انتخابات عام 2013، التي اقتصرت في النهاية على المرشح أحمد شفيق والمعزول محمد مرسي، كتب رجب معبرًا عن موقفه بشجاعة: "لم يعد أمامنا غير أحمد شفيق ومحمد مرسي، ولكن مرسي كيف اختار مرشحًا لم تثق فيه جماعته بالدرجة الأولى، فرشحته بديلًا للشاطر إذا تعذر ترشيحه؟".
وفي عهد المعزول، كان النقد شغلة أحمد رجب الشاغلة، لكثرة أخطاء المعزول آبان حكمه فكتب يقول: "احتلت إسرائيل قرية أم الرشراش المصرية وأسمتها إيلات، أمر واقع تمامًا كما سيصبح نهب إسرائيل لحقول الغاز الطبيعي الجديدة، داخل المياة الإقليمية المصرية في البحر المتوسط أمرًا واقعًا، ولا مناقشة واحدة في التليفزيون عن هذه الكارثة، والحكومة أيضًا في نوم العوافي".
وفي أحد كلماته التي كانت بمثابة سخرية لاذعة من المعزول، قال أحمد رجب: "شرط الكشف الطبي على مرشح الرئاسة أمر ينصب على قواه العقلية، فنحن نعرف الحاكم الإفريقي الذي كان يحتفظ بوزرائه في الثلاجة كفتة وبفتيك، والحاكم الإفريقي الذي لم يجد مكانًا للنياشين التي يمنحها لنفسه فوضعها في البنطلون وعجز عن الجلوس، وحاكم الأمس الذي أجرى عمليتين في المخ وعاد من باكستان يلبس حلة في رأسه".
وحينما فاز الرئيس عبد الفتاح السيسي في انتخابات الرئاسة بأغلبية ساحقة، كتب رجب يهنئه: "عزيزي الرئيس السيسي، نحن لا نهنئك بنا ولكنن نهنئ أنفسنا بك، نحن نعرف أننا سوف نتعبك، ونعذبك، ونسبب لك كثيرًا من الحيرة، فنحن نبدو كأسئلة بلا أجوبة، وقد نكف بجوارك عن الأنين، عن أصوات الاستغاثة، وقد يكون عزاؤنا أن أخيرًا أصبح لنا ابتسامة..فأنت ابتسامتنا".
ومن خفة الظل التي اتسمت بها كتاباته ونجدها في "نص كلمة": "تسع سنوات استمر الموبايل في الخدمة حتى أدركته الشيخوخة، واشتروا لي تليفونًا مليئًا بالأزرار، هذا زر للقاموس، وهذا زر للعمليات الحسابية، وهذا زر لتكييف الهواء، وهذا زر لخرط الملوخية، وهذا زر لدورة المياة، وأعداد لا تنتهي من الأزرار، أما الكلام في التليفون فهو مشكلة المشاكل، الصوت بعيدًا جدًا، من يريد الاتصال بي لا بد أن يتوافر عنده صبر أيوب".
وكانت آخر كلماته في "نص كلمة"، والتي من خلالها كان يشعر بنهايته تقترب: "الأن يا مصر أموت مطمئنًا عليكِ، وعلى أهلي المصريين، إني لا أوصى حاكمًا صالحًا بأهلي، ولكن أوصيكم بحاكم ندر وجوده على الزمان، قد قال أدخلوا مصر إن شاء الله آمنين".
"كل عام وأنت بخير"، آخر كلماته، في يوم 20 أغسطس، حينما استأذن أحمد رجب عن كتابة "نص كلمة" نظرًا لقيامه بإجازته السنوية، قائلًا تلك الكلمات، ولم يكن يدري أن ذلك سيكون آخر ما يكتبه قبل أن توافيه المنية.