رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعد التهديد بطردهم بالقوة الجبرية ..

بالفيديو .."الدستور" ترصد مأساة 200 أسرة مشردة في مخيمات "الهايكستب"

جريدة الدستور

حلم الهجرة لم يعد اختيار ورفاهية تداعب مخيلة الشباب الباحث عن فرصه في حياة أفضل خارج حدود الوطن .. إنما بات طوق النجاة للكثير من الأسر المشردة داخل بلدهم بعدما سلبتهم قسوة الحياة و "تطنيش" المسئولين أبسط حقوقهم الآدمية، أطلقوا صرخة تصم الآذان و تفجع القلوب جاء نصها
"
البلد اللي ملناش مكان فيها و لا نأمن فيها على نفسها نبغي نهاجر منها حتى لو لإسرائيل".
إنها مأساة نحو 200 أسرة، وجدوا أنفسهم مشردين بلا مأوى في العراء على مدار ستين يوما.
يعد مركز شباب الهايكستب بحي النزهة الملاذ الأخير لهم ، بعدما تحول إلى مخيم إيواء .
تلخصت أحلامهم و آمالهم في الحياة بأربع جدران تؤويهم وتظلل عليهم لتحميهم من حرارة الشمس الحارقة صيفا و تحميهم من صقيع الشتاء ..
على بعد أمتار قليلة من موقف العاشر من رمضان، تقع مخيمات "الهايكستيب" التي يصف البعض سكانها بالبلطجية و تجار المخدرات و ممارسي الدعارة ، جاءوا إلى حي النزهة بعدما طردتهم الشرطة بالقوة من مساكن النهضة بعد احتلال دام ثلاث سنوات منذ ثورة 25 يناير ، استولوا على الشقق بوضع اليد ، حذرنا الكثيرين من الاقتراب من المخيم قائلين "دول ناس بلطجية و مسجلين و تجار مخدرات ومحدش بيتعامل معاهم " .
مضينا في طريقنا بحثا عن المخيم، وعلى أعتابه أدركنا كيف يمكنك أن تشعر بالغربة داخل وطنك ، وسط أناس سقطوا من ذاكرة الحكومة و باتوا في عداد الموتى.
نساء يطهين الطعام على شعلة صغيرة من الحطب تحت أشعة الشمس الحارقة ، أطفال يسبحون بلا سراويل في مياه المجاري الراكدة ، وآخرون يتقاسمون كسرة خبز متعفنة من شدة الجوع ، رحلات مكوكية على دورات المياه المشتركة لملئ الجراكن ، عشرات الخيام منتشرة في أرجاء المركز تضم بقايا قطع أثاث متهالكة و حصير غارق في مياه الصرف تحاصرها الروائح الكريهة المنبعثة من المجاري و أكوام القمامة المتراكمة حولها .
المخيم عبارة عن خلية نحل لا تعرف للهدوء و السكون طريقا ، طوال الليل يظل الشباب و الرجال مستيقظون حاملين الشوم لتأمين نسائهم و أطفالهم من أي اعتداء من البلطجية و تحسبا لقيام قوات الأمن بإخلاء المركز بالقوة تنفيذا لتعليمات محافظ القاهرة و رئيسة حي النزهة ، ومع الساعات الأولى للنهار تتولى النساء مهمة تأمين المكان و إعداد الطعام لأطفالهن ، فيما يخلد أزواجهن للنوم داخل الخيام بعد ليلة طويلة من السهر لتأمينهم ،
يعد الولوج خارج حدود المخيم مهمة انتحارية حيث يعانون من كراهية و عداء أهالي النزهة الذين يرفضون التعامل معهم من بيع و شراء مما يضطرهم إلى اللجوء إلى حي النهضة لشراء مستلزماتهم .
داخل أحد الخيام جلست الحاجة أم عمر - في الخمسين من عمرها - تعد الطعام الذي تولت جمعه منذ الصباح الباكر من صناديق القمامة المجاورة للمركز ، لتطعم أطفالها الأربعة وزوجها عم عبد الله الذي يعمل سائقا بأحد مصانع الملابس.
أغرقت الدموع ثيابها حسرة على ما وصلت إليه الحال، بعدما كانت تسكن داخل شقه بأحد عقارات منطقة "الباطنية" في حياة ميسورة الحال وجدت نفسها وأسرتها مشردين في الشارع بعدما أصدر حي الدرب الأحمر قرارا بإزالة العقار خوفا من انهياره على رؤوس ساكنيه .
وتقول " بالفعل استجبنا للقرار و تركنا بيتنا خوفا على حياة أولادي الأربعة، و الحي طلعلنا قرار تسكين في مساكن النهضة بعد ثورة يناير ولكن فوجئنا بعد مرور 3 سنين بحاجة لا على البال و لا على الخاطر".
وتلتقط منها أطراف الحديث سناء محمد ، 25 عام ، قائلة : كلنا هنا كنا عايشين في شقق منا اللي شقته صدر قرار بإزالتها و حصلوا على أوامر بالتسكين في شقق النهضة و آخرين طردوا من منازلهم بسبب قانون الإيجار الجديد و عدم قدرتهم على سداد قيمة الإيجار اللي بيزيد كل سنة بشكل كبير ".
مضيفه " الناس دي كلها اعتصموا بعد الثورة في عهد حكومة الدكتور عصام شرف أمام مبني ماسبيرو للمطالبة بتوفير شقق لهم ، ولما تزايدت أعداد المعتصمين اضطر رئيس الوزراء آنذاك إلى الاستجابة لمطالبنا و أمر بتسكينا في النهضة مؤقتا حتى يتم إجراء بحث اجتماعي لتقييم مدى احتياجنا للشقق و بالفعل نقلتنا عربيات الجيش إلى هناك".
الأهالي أكدوا أن المأساة بدأت بعد مرور ثلاث سنوات ، تحديدا في فجر السادس و العشرون من شهر يونيو الماضي ، عندما داهمت قوات الأمن "ملثمين"و أفراد من حي النزهة مساكن النهضة ، مطالبة الأهالي بإخلاء الشقق فورا علي اعتبار أنهم غير مستحقين و أنهم قاموا باحتلالها بوضع اليد مستغلين حالة الانفلات الأمني التي عانت منها البلاد في أعقاب الثورة.
"
لم يكن أمامنا سوي خيارين إما أن نموت تحت جرافات الحي داخل بيوتنا أو نهرب بأرواحنا ونحصل على ما تبقى من الأثاث" بهذه الكلمات استطردت أم عمر حديثها ، موضحة : " نقلونا في عربيات الزبالة بأمر من المحافظ إلى مركز شباب "الهايكستيب"مؤقتا لمدة 3 أيام على وعد أن يتم بحث حالتنا و تسليم الشقق الجديدة بعد مرور الثلاث أيام لكن مرت دلوقتي شهرين و لسه على نفس الحال و مديرة المركز بتهددنا كل يوم بطردنا من المركز بالقوة الجبرية في الشارع ، قائلة "انتو ملكوش أي حق و هتترموا في الشارع و دي أوامر المحافظ ".
كريم ، 7 سنوات ، "عايز شقة تلمني من الشارع و أرجع أروح المدرسة تاني ، مش بحب المكان هنا و مليش أصحاب لأن الناس بيقولوا لي يالا يا بتوع الخيم ، و بيعايرونا إننا مش عندنا شقة ، و بيقولولي مش أنت من مساكن النهضة ما تجيب أمك نتسلى عليها و غيرها شتايم كتير".
وبصوت انفعالي مخنوق بالدموع وجه حسن ، ذو الخمسة عشر عاما ، رسالة إلى الرئيس السيسي قائلا فيها : "بقول للرئيس إحنا مصريين من حقنا نعيش عيشة كويسة إحنا مش عايشين إحنا ميتين أساسا و الاسم عايشين و الناس بتعاملنا معاملة الكلاب بتتعامل أحسن مننا ، بندخل الحمام بالطوابير و اللي بيتأخر شوية بيكسروا عليه الباب ، و المياه اللي بنشربها ملوثة و بنحط عليها ثلج السمك عشان الحر و بتجيبلنا نزلة معوية و إسهال و قئ ".
الحاج محسن السيد ، نجار، "عايزين الرئيس ينتبهلنا، إحنا رعاياك و انتخبناك و مستعدين نفديك بروحنا .. خلي المحافظ اللي رمانا يوفي بوعده .. معنا قرار إزالة و أمر تسكين ، و الشقق فاضية و السماسرة سرقوها مننا و باعوها ب15 و 20 ألف ".
هبه ربيع علي أحمد ، معاقة ، اعتدت عليها رئيسة حي النزهة ، بالضرب و السب عندما طالبتها بالاطلاع علي قائمة الأسماء التي ستقدم إلى المحافظ لتوفير شقق سكنيه لهم ، فردت قائلة "المحافظ بيضحك عليكوا و اتفق معايا على استضافتكم أسبوع في المركز .. ملكوش شقق و هنقطع المياه و الكهرباء عنكم " ، وفقا لما أكده الأهالي ..
وحسب روايات الأهالي فان مديرة النادي حرضتهم على التظاهر أمام مبنى المحافظة قائلة " المحافظ مش هيديكو حاجة إلا لما تعملوا قلق قدام المحافظة ، والمحافظ قال إنكم ملكوش حق في الشقق و لو ممتموش من الحر هتموتوا من البرد"
مشددين على أن مدير المركز هددتهم بالطرد بالقوة خلال ثلاث أيام مطالبه إياهم بإخلاء المركز فورا بعد قولها " المحافظ ابلغني أن الناس دي ملهاش حق في الشقق و لو الشمس ممتتهومش برد الشتاء هيخلص عليهم".
دورة المياه العامة داخل مركز الشباب تطفح مواسير المجارى عند مدخله ، وتتراكم أكوام مخلفات البناء حوله ، وفى داخله ثلاثة حمامات صغيرة لا تفصلها عن بعضها سوى جدران خشبية، لكن سكان الخيام يقولون إنهم أمسكوا بشاب تلصص النظر على إحدى سيدات الخيام أثناء استحمامها .
تقول محاسن السيد ، عاملة نظافة بأحد دور رعاية المسنين ، إنها اعتادت علي اصطحاب ابنتها معها طوال النهار في العمل خوفا من تحرش احد الشباب بها أو محاولة اغتصابها وهي نائمة وحدها داخل الخيمة .
"
لو مش معترفين بينا مصريين و بني ادمين ، يسمحوا لنا نهاجر لأي دولة إن شاء الله حتى لو إسرائيل ، طالما مش حاسين بأمان في بلدنا و ملناش مكان فيها ، ده السوريين و الفلسطينيين عايشين في شقق في مصر وإحنا أصحاب الأرض ودي بلدنا مرمين في الخيم عشان ملناش ضهر".
رحمة أم لأربع أبناء الابن الأكبر يدرس في الصف الثالث الإعدادي و الأصغر في الصف الثالث الابتدائي ، تركوا التعليم ومستقبلهم ضاع ، حيث لم تتمكن من تحويل أوراق ابنها الأكبر إلى إحدى مدارس الثانوي لعدم وجود محل سكن يقيد بأوراقه ، ومفيش مدارس هتقبل تلاميذ مجهولين الهوية.
أمراض الحصبة الألمانية و الديسونتريا و الدرن و حساسية الصدر من أكثر الأمراض التي تصيب الأطفال في المخيم ، ويعتمد الاهالي علي الوحدة الصحية القريبة من المركز في علاج أطفالهم ومحاولة إنقاذ حياتهم ، وأكثر ما يخشاه الجميع داخل المخيم انتشار الأوبئة بينهم نتيجة للحياة الغير أدمية التي يعيشونها.
واتهم سكان المخيم موظفي المحافظة و علي رأسهم نائب المحافظ سمير جاد و عدد من السماسرة وأشهرهم "أم عمرو حلاوة " بالنصب عليهم و بيع شقق مساكن النهضة لصالحهم ، موضحين أنه عرض عليهم دفع البقاء في الشقق وتسجيل بياناتهم في كشوف المحافظة ضمن المستحقين للشقق مقابل دفع 3 آلاف جنيهات .
وكشفوا عما أسموه بالتلاعب في كشوفات المحافظة و تقارير البحوث الاجتماعية التي تم إجرائها لبحث حالتهم الاجتماعية ومدى استحقاقهم للوحدات السكنية واستبدال الأسماء بأسماء أخرى لمواطنين دفعوا مبالغ تتراوح بين 30 - 40 ألف جنيه لصالح السماسرة ومعدومي الضمير من موظفي المحافظة.