رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر وأمريكا على طاولة الشطرنج


إذا قُدر لها النجاح فسيكون ذلك فتحاً مبيناً لأمة العرب وإيذاناً باعتلائها عرشاً من عروش الصدارة والسيادة فى العالم. فهل يمكن لمصر الثورة أن تقود تلك الملحمة ؟ وهل يمكن للعرب أن يدركوا أهميتها ويثقوا فى قدرتهم عليها والبدء فيها من الآن بآلية مدروسة موحدة؟

تناقلت وسائل الإعلام خلال الأسبوع الماضى، ما شهدته مدينة فيرجسون بولاية ميزورى الأمريكية من تظاهرات سلمية احتجاجاً على مقتل الشاب الأمريكى الأسود مايكل براون على يد شرطى أبيض، وما تم رصده من تجاوزات واستخدام مفرط للقوة من جانب الأجهزة الأمنية، بل وفرض حظر التجوال دون مبرر سائغ.

وبادئ ذى بدء فإن الإجراءات والتصريحات الأمريكية الرسمية إزاء هذا الحدث، تظهر بجلاء ازدواجية المعايير التى تتعامل بها الإدارة الأمريكية مع الأحداث والقضايا المتشابهه، بحسب كونها داخليةً أم خارجيةً، لصيقةً بها أم بعيدةً عنها، وذلك وفقاً لمصالحها وأهدافها العنصرية الاستعمارية وليس وفقاً لاعتبارات القانون والمبادئ والقيم الأخلاقية، ومن ثَمَّ فقد أدركت الشعوب زيف الشعارات التى تتشدق بها تلك الإدارة، وكذب الادعاءات التى تعلنها للعالم هى ومن يدور فى فلكها من الدول أو المنظمات المسماة بالحقوقية.

وعلى أى حال فإن ما يعنينا فى هذا الحدث وأراه جديراً بالتوقف والتعليق أمران، الأول هو ذلك الموقف الدبلوماسى المصرى الرائع الذى يستحق الاشادة والتقدير، حيث ناشدت الخارجية المصرية الإدارة الأمريكية لضبط النفس وحسن التعامل مع المتظاهرين وكفالة حرية التعبير عن الرأى، ولقد اتسم بيان الخارجية المصرية بالحرفية العالية، حيث أورد تلك المناشدة فى سياق التأييد لتصريحات السيد بان كى مون السكرتير العام للأمم المتحدة. وبغض النظر عن مدى تأثير الموقف المصرى فى ذات الحدث أو فى توجهات الإدارة الأمريكية، فإنه يكفى تأثيره المعنوى فى نفوس صنّاع القرار الأمريكى وقد ألمَّ بهم الضيق والضجر من استشعارهم لأول مرةٍ بمرارة التدخل فى شئونهم الداخلية من قِبِلِ دولةٍ مثل مصر رغم الحرفية التى غلّفت بها بيانها الدبلوماسى على نحو ما أسلفنا. إن أهمية هذا الموقف تكمن فى إظهار جدية مصر لتحقيق أهداف ثورتها فى 30 يونيو على محورها السياسىالمتمثل فى التحرر من الهيمنة الاجنبية والحفاظ على استقلال الدولة واستعادة سيادتها، وأنها تملك وتجيد استخدام أوراقها فى لعبة الشطرنج السياسى مع كل الدول المعادية أو الصديقة، وأنه مازال لمصر جولاتٌ كثيرة على طاولة الشطرنج حتى تحقق كل أهدافها وآمالها الثورية. أما الأمر الثانى الذى أراه جديراً بالتوقف والتعليق، فهو أن بواعث الأحداث الدامية بمدينة فيرجسون كانت عنصرية، وهى بواعث موجودة وتمتد بجذورها التاريخية فى كل الولايات الأمريكية، فضلا عن عوامل التشتت والتشرذم الأخرى التى تسود المجتمع الأمريكى الذى لا تربطه حضارة ولا توحده ثقافة، ومن هنا كان اعتقادى الذى عبرت عنه فى مقال نشر بجريدة الوفد بتاريخ 6/7/2012 تحت عنوان «استنهاض الربيع الأمريكى»، عن إمكانية تفتت الكيان الأمريكى إلى واحدٍ وخمسين دولة، فتنتهى دولة القطب الواحد ويعم السلام ربوع منطقتنا الإقليمية، وهو أمرٌ غيرُ مستحيل بل وأعتقد أننا قادرون عليه إذا تم ترسيخ الفكرة فى العقيدة السياسية العربية، ثم اتخذنا سبيلاً علمياً لتحقيقها يبدأ بتشكيل نخبة من علماء وأساتذة وفقهاء القانون والسياسة وعلم الاجتماع والتاريخ والاقتصاد والإعلام وبرعاية أجهزة الأمن القومى، لدراسة الفكرة وإقرار محاور تنفيذها، وهى بلا شك ستكون مباراة مستقلة بأدوات الشطرنج السياسى، بل وستكون ملحمة وطنية طويلة، فإذا قُدر لها النجاح فسيكون ذلك فتحاً مبيناً لأمة العرب وإيذاناً باعتلائها عرشاً من عروش الصدارة والسيادة فى العالم. فهل يمكن لمصر الثورة أن تقود تلك الملحمة ؟ وهل يمكن للعرب أن يدركوا أهميتها ويثقوا فى قدرتهم عليها والبدء فيها من الآن بآلية مدروسة موحدة؟