رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السياسة الكويتية: بعض الدول العربية تعمل مع إسرائيل على منع خنق "داعش"

داعش
داعش

أشاد رئيس تحرير جريدة "السياسة" الكويتية في افتتاحيته اليوم، بفتوى الأزهر، وقال تحت عنوان (تتق بعض الدول الله بإقليمها وأمتها) حسنا فعلت مشيخة الأزهر بإصدارها فتوى تحرم تسمية عصابة "داعش" بـ "الدولة الإسلامية".
واعتبرت الخلافة التي أعلنها التنظيم غير شرعية ومخالفة لأبسط شروط الخلافة الإسلامية الصحيحة، فالشعوب الإسلامية وبعد كل الويلات التي جرتها عليها بعض الجماعات الإرهابية لم تعد تحتمل المزيد من استعداء العالم عليها، وحسنًا تفعل الدول العربية والإسلامية في عزلها كل دولة يشك في دعمها لهذه العصابة التي ارتكبت وترتكب يوميًا الفظائع في سورية والعراق وليبيا.
ما يفعله "داعش" في تلك الدول هو الهدف الذي سعت إلى تحقيقه إسرائيل طوال العقود الستة الماضية لتبرير وجودها كدولة يهودية، لم يكن بمقدورها تحقيقه إلا من خلال القضاء على التنوع في المنطقة ككل، ولهذا كانت من أوائل الذين سوقوا ودعموا مشروع تهجير المسيحيين من الدول العربية، غير أن المشروع فشل لعدم وجود أداة تتناغم معها في ذلك، ولم تجد غير جماعة "الإخوان" من يتفق معها في التوجهات الكبرى، لذا تحالفت معها في الخفاء، وساعدت على ولادة جماعات متطرفة من رحمها، أكان بداية مع تنظيم "القاعدة"، أو اليوم مع النسخة الأكثر وحشية منه وهو "داعش".
لهذا ليس مستغربًا أن يولد التنظيم في الوقت الذي بدأ الإعداد الفعلي لإعلان "إسرائيل دولة يهودية" خالية من أتباع الديانات الأخرى، وهو ما ترجم عبر سلسلة من القوانين العنصرية التي أقرها الكنيست خلال السنوات الأربع الماضية حين كان يسبح العالم العربي في بحر دماء"الربيع العربي"، الذي كانت منذ البداية ملامحه الإسرائيلية واضحة للعيان.
ما جرى في السنوات الأربع الماضية، خصوصًا في الأشهر الأخيرة، في العراق وسوريا وليبيا اعتبرته إسرائيل خشبة الخلاص للخروج من مأزق الضغط العربي عليها للقبول بمبادرة السلام، وفرض حل الدولتين ضمن حدود العام 1967 التي أقرتها قمة بيروت في العام 2002. لا شك أن العرب خبروا التهرب الإسرائيلي من السلام طوال العقود الأربعة الماضية، أي منذ أحرج الرئيس المصري أنور السادات القادة الإسرائيليين في العام 1977 بزيارته تل أبيب، وجرهم إلى توقيع معاهدة سلام مع مصر، هذه المعاهدة التي اعتبرتها إسرائيل تهديدًا يوميًا لمشروعها، وما تركت مناسبة إلا وحاولت التملص منها ودفنها، هذا ما أدركه الرئيس الأسبق حسني مبارك ففوت عليها الكثير من الفرص، وكذلك فعل القادة المصريون، الذين أتوا بعده، باستثناء فترة حكم"الإخوان" الذين سعوا إلى توطين فلسطينيي غزة في سيناء، من ضمن مشروع أكبر، لا ينسف معاهدة" كامب ديفيد" فقط، بل الدولة المصرية ككل، وكانت الولايات المتحدة العراب في كل هذا، وهي لم تخف هذا، بل أعلنته أكثر من مرة، وعبر عنه موقفها المعادي لثورة 30 يونيو، في محاولة يائسة منها للحفاظ على ورقة "الإخوان" بيدها بالإضافة إلى ورقة الجماعات الإرهابية في العراق التي كانت تستخدمها لتخويف الدول العربية.
وما جري في الأشهر الأخيرة بالعراق أدى إلي انقلاب السحر على الساحر، خصوصًا بعدما تحول "داعش" وحشًا يهدد مصالحها الحيوية في شمال العراق، وإقدامه على قتل مواطنين أمريكيين وهو ما لا يمكن أن يبرر البيت الأبيض الصمت عليه أمام الشعب الأمريكي، لذلك اتخذ قرار ضرب التنظيم، لا شك أن إسرائيل تسعى وبما لها من نفوذ في أمريكا إلى منع الإدارة الأمريكية من الاستمرار في ضرب "داعش" كي لا يفقدها ذلك الفرصة الثمينة لاستكمال مشروع الدولة اليهودية.
للأسف أن بعض الدول العربية تعمل مع إسرائيل على منع خنق هذه العصابات الوحشية، بل أنها تدعمه ماليًا وتقدم له المنابر التي تساعده على نشر أمراضه الفكرية الشاذة والمناقضة للإسلام، متوهمة أن ذلك يمكنها من ممارسة دور أكبر من حجمها الطبيعي، ويجعلها لاعبًا إقليميًا مؤثرًا غير مدركة أن الفظائع التي يرتكبها يوميًا التنظيم في الدول العربية الثلاث نموذج لما يخطط له للدول الأخرى، ولا شك أنها ستكون واحدة من ضحاياه.
كان على هذه الدول أن تدرك الخطر منذ اللحظة الأولى التي كشف فيها قادة" داعش" عن نواياهم بإعلانهم تخطيطهم للزحف على الكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين وعمان ومصر، وإثارة القلاقل فيها وارتكاب المجازر، لأن هؤلاء حين يخرجون من حيث هم اليوم لن يوفروا أحدا على الإطلاق، وأول من سيكون طريدتهم الذين وقفوا إلى جانبهم ودعموهم، لذلك على أي دولة عربية تدعم هذه العصابات أن تخاف الله في شعبها وإقليمها والوطن العربي، ولا تجعل نفسها أيضًا أداة بيد إسرائيل، إذ لا يليق بالدول أن تكون أدوات بأيدي الأعداء.