رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا يريدون تأجيل الانتخابات البرلمانية؟


كان من الطبيعى أن تتحول الحياة الحزبية قبل 25 يناير إلى أحزاب ديكورية شكلية تبرر تواجد وتسلط الحزب الوطنى ثم بعد يناير قد لعب الإعلام دوراً سخيفاً.

«لا تعددية بدون حياة حزبية ولا ديمقراطية بدون تعددية».. هذه مقولة توافرت وتناقلت وتردد بيننا كشعار فارغ المضمون لا نصيب له من الواقع شيئاً فهل هذه الديمقراطية بضاعة لا نجيد تسويقها ولا قدرة لنا بالتعامل معها، حيث إن معدتنا لا تقوى على هضمها؟ أم أنها ثقافة حياة وأسلوب سياسة تتناقض مع ثقافتنا الموروثة ولا تتقابل مع تراثنا المتواتر الذى يعتمد على الأسلوب البطريركى الأبوى والذى يبدع الوصايات على الرأى باسم القبلية والعائلية والجهرية تارة وباسم الدين فى كل الأوقات؟ أم أن ثقافة «الكبير كبير والصغير صغير ـ الميه ما تطلعش فى العالى ـ والعين ما تعلاش على الحاجب» جعلت قبول الاستبداد والتعامل مع الفساد كأمر واقع لا فكاك منه لأن هذا قدر ومكتوب؟ أم أن الخطاب الدينى وأسلوب التدين الشكلى الذى يدعو للحاكم ويجامل السلطة فى كل الأوقات لدرجة النفاق الواضح ويدعو إلى عدم الخروج على الحاكم مهما كانت الأسباب حتى أننا وجدنا أن الأزهر والكنيسة كانا آخر من تجاوب مع الجماهير فى هبة يناير أما لأن هناك من لا يؤمن بالديمقراطية ويعتبرها كفراً بواحاً؟ هى كل هذه الأسباب وغيرها كثير وأهم هذا الكثير هى حياتنا الحزبية وطريقة تشكيلها وأسلوب إدارتها وعلاقتها بالقضايا العامة وارتباطها بالجماهير وذلك منذ الحياة الحزبية ما قبل ثورة يوليو 52 وحتى الآن. فهذه الأحزاب ومنذ انشقاق الأحرار الدستوريين وخلافهم مع حزب «الوفد» بعد 1919 ومازالت وحتى الآن لا تجيد غير هذه الانشقاقات والتشرذمات وذلك لأن حياتنا الحزبية قد اعتمدت منذ البداية عرابى ـ مصطفى كامل ــ محمد فريد ــ سعد زغلول على الزعيم الفرد والذى يلتف حوله الجميع ويدور الكل فى فلكه ويسعى الجميع إلى رضاه فيتحول هذا الزعيم إلى أب بطريرك مقدس لا يخطئ ولا يجب الخروج على طاعته ويجب الخضوع لآرائه. وكل هذا هدفه الوصول إلى السلطة تحت رعاية الزعيم الذى دائماً ما يكون يربطه رباط ما سرى أو علنى مع السلطة حتى يتم ضمان الوصول لعدد من مقاعد البرلمان فيكون للمريدين والمتحلقين ومن هم يصنعون من أنفسهم زعامات متخيلة نصيب من هذه المقاعد، وقد صار هذا النهج وذلك الأسلوب حاكماً لحياتنا الحزبية بعد عودتها على يد السادات 1978، وكان آخر تلك الزعامات الفردية هم خالد محيى الدين «حزب التجمع» وإبراهيم شكرى «حزب العمل» وفؤاد سراج الدين «حزب الوفد» ومع ذلك لم تخلو رئاسة هؤلاء لأحزابهم من حالات خلاف وانشقاقات واختراقات أضعفت هذه الأحزاب إضافة لوجود الحزب الوطنى فى أحضان السلطة فلم يكن حزباً بالمعنى السياسى للحزب ولذلك كان من الطبيعى أن تتحول الحياة الحزبية قبل 25 يناير إلى أحزاب ديكورية شكلية تبرر تواجد وتسلط الحزب الوطنى ثم بعد يناير قد لعب الإعلام دوراً سخيفاً فقد أوهم الشباب أنهم هم الثورة ولا أحد غيرهم فسارع الجميع لإعلان ثوريتهم حتى تفتت الشباب فصار بخاراً فاضمحل وفقد فاعليته السياسية وقد شاركه فى هذا الأمر هذه الأحزاب التى تكونت بعد يناير معتمدة على مسمى المشاركة فى الثورة أوهم من صنع الثورة، وأصبح التواجد فى ميدان التحرير هو بطاقة المرور لتشكيل الأحزاب التى لم توجد أو تخلق لها علاقة مع الجماهير من قريب أو بعيد، وهناك من حوَّل الحياة الحزبية إلى مشروع اقتصادى فأنشأ حزباً بفلوسه وسيخوض الانتخابات برضه بفلوسه وهذا بديل وتشبه بالسكر والزيت أسلوب الإخوان فى الانتخابات، ولذلك وعلى ذلك نجد أمامنا أحزاباً ورقية ديكورية فاقدة الصلاحية وقيادات تفتقد الجماهيرية وتستبدلها بالاجتماعات الصالونية والتصريحات السياسية المتعالية والبعيدة عن الجماهير وعن الشارع السياسى، ولذا هم يعلمون أنهم وأحزابهم لا يملكون ولا يستطيعون الحصول على مقعد واحد فى مجلس النواب، ولذا نجدهم يتناحرون ويتشابكون حول ما يسمى بالائتلافات الانتخابية التى لا تسعى لغير الحصول على مقاعد لا يقدرون على الحصول عليها آملين الحصول عليها من خلال هذه الائتلافات، والدليل أنه لا وجود لبرامج حزبية أو انتخابية يمكن التوافق عليها ولكن المعركة على عدد المقاعد فى القوائم حتى أننا وجدنا عمرو موسى الزعيم على كبر كان يأمل فى مقعد على طريق القوائم ولما فشل انسحب ولذا نرى من يطالب بتأجيل الانتخابات هروباً من واقعهم الحزبى المخجل تحججاً بعدم إعطاء الفرصة للإسلاميين والحزب الوطنى وحتى تكون الفرصة للثورة والثوريين وكأنهم هم الثورة ولا نعلم إذا كانوا هم الثورة فلماذا لا تنزل الثورة إلى الشارع حتى يأتى بها الشارع إلى البرلمان مثل ما خرج الشارع فى يناير ويونيو أم أنهم يريدون أن يقدم لهم البرلمان على طبق من ثورة تاجروا بها ومازالوا. الثورة والأحزاب والديمقراطية لا تكون بغير الجماهير وقبولها وموافقتها مع العلم أن هذه الجماهير قد سئمت هذه المتاجرة وذلك الاسترزاق. الجماهير ستختار من يشعر بها ويتلاحم مع مشاكلها ويتبنى قضاياها ويعبر عن أوضاعها. أما هؤلاء المرتزقة إما أن ينزلوا إلى الشارع أما كشف المستور فقادم وبالأسماء وقد أعذر من أنذر.. حمى الله مصر من المتاجرين بالثورة وبالجماهير.

كاتب وبرلمانى سابق