رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أردوغان وبربرية إسرائيـل «4-4»


أما وقد حقق أردوغان ما كان يصبو إليه واعـتلى كرسى الرئاسة، فهل يمكن أن يقوم بالضغـط على إسرائيل لتتوقف عن هذا العدوان البربرى على حد وصفه وما الأدوات التى يمتلكها لممارسة هذا الضغـط؟ وهل يمكن أن يُضحى أردوغان بمصالح تركيا مع إسرائيل؟ أم أنه سيستمر فى أداء دوره وفقا لسيناريـو الولايات المتحدة لإعادة هيكلة وصياغة الشرق الأوسط الكبير؟

تناولت فى المقالات السابقة الدور الذى يلعـبه «أردوغان» فى المسلسل الهابط الذى يقوم فيه بدور البطل القومى الذى يدافع عـن القيم الإنسانية، ففى حركة تمثيلية رائعة انسحب من مؤتمر «دافوس» وسط تصفيق الحاضرين بدعـوى أن رئيس الجلسة لم يمنحه الوقت الكافى للرد على خطاب رئيس إسرائيل، وفى حركة أخرى أكثر اتقانا قبل أردوغان اعـتـذار نتنياهو عن مقتل الأتراك التسعة على متن السفينة «مرمرة» وأن تقوم إسرائيل بتقديم التعـويضات المناسبة لأسر الضحايا، وكان ذلك بوساطة «أوباما» الذى اعـتاد أن يلعـب دور البطولة فى مثل هذه المسلسلات الرديئة، ثم واصل أردوغان دوره عـندما أدلى بتصريحاته الناريـة ضد إسرائيل فى إطار حملته الانتخابية وهو يرتدى الكوفية الفلسطينية، فاتهمها بتنفيذ عـملية إبادة ممنهجة ضد الشعـب الفلسطينى تجاوزت عمليات هـتـلـر البربريـة، هكذا تاجر أردوغان بقضية فلسطين التى تُعـتبر جوهر الصراع العربى الإسرائيلى ليشترى بها ثمنا قليلا حتى يعـتلى كرسى الرئاسة.

أما وقد حقق أردوغان ما كان يصبو إليه واعـتلى كرسى الرئاسة، فهل يمكن أن يقوم بالضغـط على إسرائيل لتتوقف عن هذا العدوان البربرى على حد وصفه وما الأدوات التى يمتلكها لممارسة هذا الضغـط؟ وهل يمكن أن يُضحى أردوغان بمصالح تركيا مع إسرائيل؟ أم أنه سيستمر فى أداء دوره وفقا لسيناريـو الولايات المتحدة لإعادة هيكلة وصياغة الشرق الأوسط الكبير؟ أم هل يقبل أردوغان أن تكون تركيا بمنأى عن الترتيبات الأمنية الجارى إعـدادها لتنفيذ هذا السيناريو؟

للإجابة عن هذه التساؤلات ينبغى أولا توضيح الاعـتبارات الرئيسية التى تتحكم فى سياسة تركيا منذ صعـود التيار الإسلامى وارتقاء حزب العـدالة والتنمية قمة السلطة عام 2002، إذ يدورالاعـتبارالأول حول عـدم إمكانها حسم إشكالية الإختيار بين أن تكون تركيا الدولة الأخيرة الأكثر تخلفا فى النسق الإقليمى الأوروبى حيث لا تستطيع المنافسة فى أسواقه، أو أن تكون الدولة الأولى الأكثر تقدما فى النسق الإقليمى لمنطقة الشرق الأوسط تنافس المنتج المحلى وتغـرق الأسواق بمنتجاتها، أما الاعـتبار الثانى فهو عدم قدرتها على وضع حد للتناقض الحاد فى معادلتها الاستراتيجية، فبينما تعـمل الولايات المتحدة عـلى تعـظيم قدراتها العـسكرية باعتبارها تمثل القوة العسكرية الثانية فى حلف الناتو وتتحمل الأعـباء عن حلفائها الأوروبيين، إلاَ أن هؤلاء الحلفاء يرفضون قبولها عـضوا طبيعـيا فى اتحادهم، ويدور الاعتبار الثالث حول كثرة التناقضات الناجمة عـن إحداثها بعـض التحولات فى نسقيها القيمى والاجتماعى حتى يتسقا مع قيم الغرب، فبينما تتظاهر تركيا بالتمسك بمبادىء الشريعة الإسلامية، إلا أنها لا تستطيع إخفاء مظاهر العـلمانية المفرطة التى تمارسها دون تعـقل أو انضباط دون أن تفرق بين التحديث والتغـريب ففقدت هويتها فى ظل هذا النظام، تبغى تحالفا مع الغرب لكنها لا تستطيع أن تنسلخ من الشرق، تريـد محاكاة حضارة الغـرب لكنها لا تستطيع أن تتخلى عـن ثقافة الشرق، فلا أمست شرقية ولا أصبحت غربية، ولا باتت إسلامية ولا أصبحت علمانية.

وترتيبا عـلى ما تقدم يمكن التوصل إلى بعـض النتائج التى يمكن أن ترقى إلى حقائق، فالنتيجة الأولى تشير إلى أن أردوغان كان يتاجر بدماء آلاف الشهداء والجرحى من الفلسطينيين فى غـزة للترويج فقط لحملته الانتخابية، حيث لا يستطيع أن يُضحى بالمصالح التركية مع إسرائيل وفقا للاتفاقات الاقتصادية والأمنية والعسكرية المبرمة بينها، ولا يستطيع الخروج عن طاعة الولايات المتحدة باعتبار أن تركيا تمثل أكبر قوة عسكرية فى حلف الناتو بعـد الولايات المتحدة، كما أن النظام التركى يعـتبر الولايات المتحدة هى الضامن الوحيد لعـدم عودة الجيش للسيطرة على مقاليد الحكم مرة ثانية، وتشير النتيجة الثانية إلى أن تركيا سوف تشهـد أدنى معـدلات الرضا عـن سيـاساتها مع دول المنطقة العربية، خاصة عـندما يقرر أردوغان استمرار دعـمه المادى والمعـنوى للجماعة الإرهابية، واتباع سياسـات تتسم فى معـظمها أو جميعها بعلاقات عـدائية ضد نظام الحكم فى مصر، أملا فى عـودة الجماعة لتكون طرفا فى المعادلة السياسية المصرية، والتى يمكن من خلالها تحقـيـق المشروع القومى التركى أو مشروع العثمانيين الجدد.

ولتحقيق هذه النتائج، ففى يقينى أن أول قرارات سلطان تركيا الجديد سيكون تعـديـل دستور البلاد لتغـيير نظام الحكم ليكون نظاما رئاسيا لتوسيع سلطاته بما يضفى شرعـية دستورية على قراراته المستقبلية , وحتى يُبقى على مقاليد الحكم ملك يمينه كما كانت عـندما كان رئيسا للوزراء دون معارضة حقيقية.. ولله الأمر من قبل ومن بعـد.

أستاذ بجامعة بورسعـيد سابقا