رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مستقبل «على الريحة»!


كنا نتمنى أن نقول للحكومة إنها أغرقتنا بأفضالها، لكن واقع الحال أنها أغرقتنا بفضلاتها، فالقمامة تواصل التكدس فى كل ركن ولا تستثنى مدرسة أوجامعا أومتحفا أوكنيسة أوهيئة حكومية أو روضة أطفال حيث نقوم بإعداد أجيال المستقبل «على الريحة». كل هذه القمامة إهانة مباشرة وصفعة للإنسان والثقافة والتطور ودليل دامغ على العجز عن التقدم

.... هذا بينما تقوم الحكومة بتحصيل رسوم نظافة على فواتير الكهرباء قدرتها الاحصاءات بنحو ثمانية مليارات جنيه سنويا لا يدرى أحد على أى شىء تنفق؟! إن الحكومة تترك القمامة بل وتتربح من بقائها، فى حين أكد مجموعة من علمائنا المصريين أن من الممكن استغلال تلال القمامة فى توليد طاقة تعادل ربع الطاقة المستهلكة من البترول المنتج فى مصر بما يعود على الاقتصاد بنحو خمسة وعشرين مليار جنيه مصرى سنويا! وذلك بتدوير القمامة واستخدامها فى توليد الكهرباء والحصول على»الكحول الإيثيلى» و«الديزل» وهما مصدران من أهم مصادر الطاقة يمكن استخدامهما فى تشغيل السيارات. لماذا لا تفسخ الحكومة تعاقداتها التى أثبتت عدم جدواها مع شركات النظافة الأجنبية وتبدأ فى تنفيذ مشروع تدوير القمامة من جزء من حصيلة رسوم النظافة؟ ما الذى يعطل الأخذ بتلك الحلول التى أخذت بها كل الدول المتقدمة اللهم إلا إن كانت بلادة الفكر والشعور المزمنة؟

ما دامت شوارعنا تكتظ بكل هذه القمامة فلا جدوى فى اعتقادى من أى حديث منمق عن الثقافة والجمال والتنوير والأدب وماشابه، لأنك لا تستطيع أن تعظ إنسانا بأهمية الجمال وأنت تطوقه بالقمامة من كل ناحية، ولا تستطيع أن تعظه بأهمية العلم وأنت تحاصره بالجهل. ومن المؤسف أن تكون حتى قمامة الغرب أروع من قمامتنا! فبينما يمثل الورق اثنين وأربعين بالمائة من القمامة الأمريكية فإنه يمثل عشرة بالمائة فقط من قمامة مصر! لأنهم هناك يقرأون ويكتبون ويستخدمون الورق أكثر بكثير مما نفعل نحن هنا!

لقد أصبح التصدى للقمامة شأنا ثقافيا ينبغى أن يجتمع لأجله كبار الكتاب وأن يعقد اتحاد الكتاب لأجله مؤتمرا خاصا، وأن تسهم فى مناقشته وزارة الثقافة وأن يقدم المجلس الأعلى للثقافة بشأنه أبحاثه، لأن القمامة عدوة كل جهد لتربية المشاعر والمواقف والفكر. وتنظيف الميادين والشوارع فى اعتقادى أجدى للشعب المصرى من نشر الكتب التى لا يقرأها أحد خاصة من أبناء الشعب، وأجدى من المهرجانات الثقافية التى تنفق عليها الملايين ولا يشارك فيها أحد من أبناء الشعب. فى زمن ما كان الشاعر العظيم صلاح جاهين يحلم بأن يرى « تماثيل رخام ع الترعة» وصرنا بدلا من التطلع إلى تلك التماثيل لا نرى إلا «تماثيل سخام» لا ندرى كيف نزحزحها بعيدا عن أنوفنا وعن رئات أطفالنا! وإذا لم يكن التقدم مرئيا فى تفاصيل الحياة الصغيرة فلا جدوى من البحث عنه فى مشاريع كبرى. إذا لم نلمس التقدم على الأقل فيما يتعلق بمشكلة القمامة والزحمة المرورية فلا أتوقع أن نلمسه فى شىء آخر. وليس أتعس من أن ترى مدينة عظيمة كالقاهرة وقد أغرقتها القمامة. لا يبقى إلا التمنى والدعاء بأن تنتقل الحكومة بنا من فضلاتها إلى أفضالها. وحتى يتم الإعلان عن تبنى مشروع جمع وتدوير القمامة فإننا سنظل فى رياض الأطفال نربى أبناءنا، أجيال المستقبل « على الريحة».

كاتب وأديب