رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ضمائر على الضفة الأخرى


والدرس الذى ينقله إلينا فانتيمو وروبرت فيسك وجابريل ماركيز وساراماجو وبرنارد شو أن هناك شبكة من الضمير الإنسانى تمد فروعها إلى كل مكان على الأرض وترتوى من كل أنهار البشرية، وأن على كل صاحب ضمير حى أن يرى الدماء التى تسيل فى غزة فلا يحول بصره عنها ليفتش فى الصغائر هروبا من الحقيقة.
الضمير قدرة إنسانية مثل النور تتخطى اللون والعقيدة والجنسية وتصل إلى الحقيقة. وعلى الضفة الأخرى حيث الغرب كان ثمة ضمائر حية دوما، تجتاز كل شيء كالنور إلى جوهر القضية. منذ أيام قلائل اتهم الفيلسوف الإيطالى الكبير «جان فانتيمو» إسرائيل بالنازية فى حوار له مع إذاعة «راى» الإيطالية الحكومية. وقال إن جرائم إسرائيل فى غزة تفوق ما ارتكبه هتلر فى حروبه ضد البشرية. وأعلن أن على جميع القوى المعادية للنازية والفاشية أن تتطوع فى صفوف الفلسطينيين وأن تقدم لهم السلاح والدعم لردع العدوان البربري. قبله بقليل كتب الصحفى البريطانى «روبرت فيسك» فى جريدة «الإندبندنت» يقول إن العالم لا يعبأ بموت الفلسطينيين، وأنه لو كانت أعداد القتلى والضحايا معكوسة، لاختلفت ردود الأفعال الدولية ولكان الغرب قد أطلق على ما يجرى صفة المذبحة ولسارعت أمريكا إلى التدخل العسكرى فى غزة! وكان روبرت فيسك ذاته هو أول صحفى يكشف عن دور شمعون بيريز فى مذبحة «قانا» بجنوب لبنان ونشر صورا مرعبة للمجزرة ثم أصدر كتابه «ويلات وطن» عن معاناة اللبنانيين. وعندما رأى روبيرت فيسك الجيش الإسرائيلى يغزو أراضى السلطة الفلسطينية بالدبابات والطائرات الأمريكية كتب يقول: «أستطيع أن أفهم بوضوح لماذا يكره العالم أمريكا». وكان فيسك أحد القلائل الذين وقفوا فى حينه بقوة ضد الغزو الأمريكى للعراق. وعندما وقعت مجزرة النازية الإسرائيلية فى جنين أبريل 2002، كتب الروائى العظيم جابريل جارسيا ماركيز بيانه الإنسانى المدهش «ليل الضمير البشرى» وأدان فيه الإبادة المستمرة للشعب الفلسطينى وقال بالنص «إننى أعلن هنا عن إعجابى غير المحدود ببطولة الشعب الفلسطينى الذى يقاوم الإبادة على الرغم من إنكار القوى الأعظم، والمثقفين الجبناء ووسائل الإعلام وحتى بعض العرب لوجود ذلك الشعب». بعد مجزرة جنين زار الكاتب البرتغالى الكبير جوزيه ساراماجو مخيم جنين وأعلن من هناك «ثمة أشياء تم ارتكابها من الجانب الإسرائيلى تتسم بنفس صفات جرائم هتلر النازى فى معسكر أوشفيتس. إن ما يتعرض له الشعب الفلسطينى أمر لا يغتفر». وللضمائر على الضفة الأخرى تاريخ أطول من كل هذا ، فحينما وقعت مذبحة دنشواى فى 13 يونيو عام 1906، كان من قضاتها مصريون منهم بطرس غالى وفتحى زغلول، وتولى الهلباوى سلطة الاتهام ضد الفلاحين ممثلا للاحتلال البريطانى! وحينذاك كتب الكاتب الأيرلندى العالمى برنارد شو مقاله «فظائع دنشواى» خاطب فيه القارئ قائلا: «حاول أن تتخيل مشاعر قرية إنجليزية يظهر فيها فجأة عدد من الضباط الصينيين ليصطادوا البط والدجاج ثم حملوا ما صادوه مؤكدين أنها طيور برية!»، ويمضى الكاتب العظيم ساخرا من الاحتلال البريطانى متوقعا للإمبراطورية البريطانية الفشل والزوال، منددا بالاستعمار وكل ما ينجم عنه. والدرس الذى ينقله إلينا فانتيمو وروبرت فيسك وجابريل ماركيز وساراماجو وبرنارد شو أن هناك شبكة من الضمير الإنسانى تمد فروعها إلى كل مكان على الأرض وترتوى من كل أنهار البشرية، وأن على كل صاحب ضمير حى أن يرى الدماء التى تسيل فى غزة فلا يحول بصره عنها ليفتش فى الصغائر هروبا من الحقيقة.

كاتب وأديب