رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أردوغان وبربرية إسرائيل «1»


فى إطار استكمال الأدوار وجَه ليبرمان إلى أردوغان إتهاما بأنه يُعادى السامية، وهى ذات التمثيلية بالغة السوء التى لعـب فيها الإثنان دور الكومبارس فى مسلسل السفينة التركية مرمرة،
واصل أردوغان مسلسله الهزلى الذى يلعـب فيه دوره المرسوم بدقة كبطل قومى يدافع عـن القيم الإنسانية الرفيعة إزاء العـدوان الإسرائيلى ضد الشعـب الفلسطينى بغـزة، وقد أجاد أردوغان هذا الدور حين أطلق تصريحاته الناريـة ليتهم إسرائيل بأنها تقوم بتنفيذ عـملية إبادة ممنهجة ضد هذا الشعـب تجاوزت كثيرا عمليات هـتـلـر البربريـة، ووجه الأنظار إلى الموقف الأمريكى الداعم لإسرائيل دوما، وإلى الصمت الأوروبى المريب إزاء هذه الأعمال الوحشية، وجاءت تصريحاته هذه فى إطار حملته الانتخابية فى مدينة أوردو على ساحل البحر الأسود، وفى إطار استكمال الأدوار وجَه ليبرمان إلى أردوغان إتهاما بأنه يُعادى السامية، وهى ذات التمثيلية بالغة السوء التى لعـب فيها الإثنان دور الكومبارس فى مسلسل السفينة التركية مرمرة، وقد أصلح بينهما الممثل الكبير أوباما الذى يلعـب دور البطولة دائما فى هذه المسلسلات الرديئة، حين كشف فجأة عن تفاصيل المكالمة التلفونية التى اعـتذر فيها نيتنياهو لأردوغان عـن حادثة السفينة مع استعـداد إسرائيل لتقديم التعـويضات لأسر الضحايا، وقد قبل اردوغان الاعـتذار فورا ليشترى بقضية مواطنيه ثمنا قليلا مادام أن ذلك سيحقق له بعض مصالحه واعتلاء السلطة فى تركيا.

وترتيبا على ما تقدم، لا بد وأن تدور فى الأذهان الآن كثير من التساؤلات التى يتعـين أن نجيب عليها بدقة، وهى هل يمكن لأردوغان الضغـط على إسرائيل لإيقاف هذا العدوان الغاشم؟ وهل يمتلك أردوغان الأدوات التى يمكنه الضغـط بها على إسرائيل لإيقاف هذه العـمليات البربريـة ؟ وهل يمكن أن تصبح إسرائيل فى حالة عداء مع تركيا وتضحى بمصالحها المكتسبة من العلاقة معها، وهل يمكن أن تترك الولايات المتحدة الأمور عـلى عـواهـنها إلى أن يستحكم العـداء بين أكبر حليفين لها فى المنطقة ؟ أو أن تقبل أن يكون أحدهما أو كلاهما بمنأى عن ترتيباتها الأمنية الجارية لإعادة هيكلة وتشكيل وصياغة الشرق الأوسط الكبير وفقا لمنظورها؟

للإجابة عن هذا الكم المتلاحق من التساؤلات ينبغى أولا تأكيد على أن التعاون بين تركيا وإسرائيل فى المجالات الأمنية والعسكرية والاقتصادية لم ينقطع يوما، حتى فى فترات اشتعال توتر العلاقات الذى يجيد الطرفان افـتعـال أزماتها، إذ يعـتبر إنسحاب أردوغان من مؤتمر دافوس خيردليل على ذلك، عـندما ادعى أن رئيس الجلسة قد امتنع عن إعـطائه الوقت الكافى للرد على خطاب رئيس إسرائيل انسحب وسط تصفيق الحاضرين، وكذلك فى حادثة السفينة مرمرة التى كانت ضمن قافلة الحرية لفك حصار غزة وقتل على متنها تسعة أتراك، قبل أردوغان على الفور اعـتـذار نتنياهو بعـد أن أظهر تشددا كبيرا من قبل، وقد استطاع أردوغان توظيف هذين الحدثين بمهارة فائقة، حيث استُقبل بعـد الأزمة الأولى إستقـبال الفاتحين، وأصبح فى الأزمة الثانية غازيـا منتصرا فصار بطلا قوميا بين مؤيديه، والآن يدافع عـن الذين قتلوا وجرحوا وتشردوا من الشعـب الفلسطينى وهو يرتدى الكوفية الفلسطينية فى إطار حملته الانتخابية، والواقع فإن أردوغان يلجأ إلى افتعال مثل هذه الأزمات كلما تراجعـت شعبيته وشعـبية حزبه أمام شعـبية الأحزاب الأخرى لكى يستعـيدها قبل أى انتخابات

أما عن التعاون الذى لم ينقطع يوما بينهما، فقـد عـمدت الولايات المتحدة عـلى توسيع رقعته فى مجالات التعـاون الأمنى والعسكرى، حيث سمحت لتركيا بإنتاج الطائرة ( CF16) حتى أصبحت الدولة التى تمتلك العدد الأكبر منها فى العالم، وتقوم بتصدير فائض إنتاجها إلى الدول الحليفة، كما سمحت الولايات المتحدة لإسرائيل بتصنيع المعـدات الإلكترونية المعـقـدة Avionics لهذه الطائرات، ووضعـت خطط تطوير القوات المسلحة التركية باعـتبارها القوة الثانية بعـدها فى حلـف الناتو، وربطت هذه الخطط بتكنولوجيا التصنيع الإسرائيلى بحكم التراخيص الممنوحة لها من شركة لوكهيد وبوينج الأمريكيتين، خاصة طائرات نظام الإنذار والسيطرة المحمول جوا AWACS الإواكسAir Born Warning And Control System التى عـقـدت تركيا صفقة كبيرة منها، حيث يُعـتبر هذا النظام هام جدا للأمن القومى التركى فهو يربط الشبكة الإلكترونية المضادة للصواريخ الباليستية الموجهة ضد القـاعـدتين الرئيسيتين «كورتشك وإنجرليك» المجهزتين لاستقبال جميع أنواع طائرات حلف الناتو، واللتين تُستخدمان بواسطة قـوات الحلـف فى المناورات السنوية المعـروفة باسم نسر الأناضول والتى تشارك فيها إسرائيل بصفة أساسية، وهو ما يعـنى من الزاوية الإستراتيجية أن إسرائيل تتمتع بما يتمتع به أعضاء حلف الناتو من حيث استخدامات الأراضى والقواعد التركية، فهل يمكن أن تتوتر العلاقات بينهما، هذا ما سنستكمله فى المقال القادم بإذن الله

أستاذ بجامعة بورسعـيد سابقا