رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إفطار رمضانى فى معبد يهودى


فى 9 يوليو الحالى أقام المعبد اليهودى بالقاهرة إفطاراً رمضانياً دعا إليه وشارك فيه «التحالف المصرى للأقليات». هكذا ينتقل المعبد اليهودى من العمل الدينى إلى العمل السياسى نبشاً فى حقوق الأقليات وفقا للمفهوم الأمريكى الإسرائيلى لحقوق الأقليات الذى يرى أن سكان النوبة أقلية خارج النسيج المصرى ذات مطالب مستقلة عن الاحتياجات الوطنية المشتركة...

 ... وإذا لم تكن الأقليات الموجودة كافية لتفتيت وحدة مصر فإنهم يخترعون أقلية كالبهائيين ثم أقلية كالأمازيج يتربح البعض من اختراعها. وأخيراً أو بداية يقدرون أن عشرين يهودياً – هم كل ما تبقى من اليهود بمصر- هى أقلية جديرة بذرف دموع الديمقراطية. ووفقاً لمنطق أن كل عشرين شخصاً أقلية يمكن بالتفتيش فى الجذور العرقية البعيدة للسكان تقسيم شبر إلى آلاف الأقليات! ونصبح لنجد مصر – ليس وطناً للجميع - لكن مجموعة دكاكين عرقية وقومية ولغوية تتربح باسمها منظمات حقوق الإنسان. وهو المخطط الذى ينشط على أساسه التحالف المصرى للأقليات الذى ظهر فى مارس 2012 لتأجيج كل ما هو مختلف داخل أطياف الوحدة الوطنية وصولا إلى تقسيم مصر. الجديد الآن دخول المعبد اليهودى طرفاً سياسياً فى العملية راعياً لكل من يفتت القضايا الوطنية المشتركة إلى جزر حقوقية متناثرة. أما عن التبرك بزيارة المعبد اليهودى فقد فسر البعض ذلك بالحديث عن اليهود المصريين الذين قاوموا النبذ السياسى والاجتماعى القاسى وأهمية تعزيز التعايش بين مختلف الأعراق والأديان! هكذا يبدو أن علينا أن نعتذر لليهود المصريين عما لاقوه من تعسف من جانب الشعب المصرى وأن نؤكد لهم بزيارة ودية أننا شعب متسامح وديمقراطي، وهى بالمرة رسالة إلى السفير الإسرائيلى الذى يتردد على المعبد وإلى دولته التى تشكل قلعة للتمييز الدينى والعنصرى فى المنطقة. فهل عانى اليهود المصريون حقاً من النبذ أم أنهم على العكس عاشوا ينبذون المجتمع المصرى وينأون بأنفسهم عن الانخراط فى قضايا الوطن ووحدته؟. للتذكرة كان موسى قطاوى وزيراً للمالية أيام سعد زغلول، وقبل ثورة يوليو كانت الطائفة اليهودية أغنى طائفة يهودية فى الشرق الأوسط، وكان ثمانون بالمئة من سماسرة البورصة من اليهود. وشارك اليهود المصريون فى الحركة الثقافية والفنية بكل مجالاتها. إلا أن ظهور دولة إسرائيل الاستيطانية حول ولاءهم وآمالهم إلى تل أبيب، وخلال العدوان الثلاثى على مصر تم القبض على مائتى وثمانين منهم عملوا لصالح إسرائيل. وكان تاريخهم ومازال هو الحفاظ على عزلتهم والنأى بأنفسهم عن الوحدة الوطنية وعن الانخراط فى معارك الشعب. ولم نسمع بيهودى واحد شارك فى مظاهرة تم فيها إحراق العلم الصهيونى، لأنهم عاشوا هنا وهم يؤمنون بأن وطنهم هناك، وأنهم « يهود» وليسوا مصريين. وكل الاستثناءات فى ذلك المجال تؤكد القاعدة العامة ولاتنفيها. وللمقارنة يكفى أن نتذكر تاريخ الجماعة القبطية التى رفضت منذ صياغة دستور 1923 أن توصف بالأقلية، أو أن تشارك فى الانتخابات كأقلية، وتمسكت بالمشاركة فى الحياة السياسية بوصفها جماعة مصرية، معلنة رغبتها فى «فناء الاختلافات الدينية فى الجنسية المصرية». ومازالت فى الضمائر صيحة مكرم عبيد العظيمة «نحن مسلمون وطنا ونصارى دينا»، وعام 1992 رفض البابا شنودة التطبيع مع إسرائيل وحرم زيارتها وأدان فى مؤتمر عالمى فى يوليو 1992 المذابح ضد المسلمين فى البوسنة والهرسك. وعندما قتل عشرون قبطياً فى حادثة الكشح عام 1999 أعلن البابا شنودة «نحن لا نحب أن نكون أقلية تحتاج إلى حماية ونرفض أى تدخل أجنبى لكى يعطينا حقوقنا». ولم نسمع من اليهود المصريين حديثاً كهذا يشاركون به الشعب المصرى آماله! بل إن ماجدة هارون رئيسة الطائفة اليهودية تعلن تعليقاً على العدوان الإسرائيلى على غزة «ما يحدث فى غزة تطرف وتعصب من الطرفين» متبنية بذلك الموقف الأمريكى الإسرائيلى الذى يساوى بين القاتل والضحية! وبهذا يواصل اليهود عزلتهم عن الشعب المصرى و«نبذهم» له! ويؤكدون أنهم خارج نسيجه الوطنى وأن عيونهم تشخص كل يوم إلى دولة المجازر الإسرائيلية! بذلك جعلت هذه «الأقلية» من نفسها «أقلية»! أما الشعب المصرى فقد اتسع صدره عبر كل العصور لكل الأطياف