رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

علاج العرض بدلا من علاج المرض فى مجلس الأمن


شدد بان كى مون على ضرورة أن يعترف الجميع بأن اتفاق السلام هو الوحيد الذى سيحقق الأمن الدائم للفلسطينيين والإسرائيليين. هنا مربط الفرس حيث أدرك السكرتير العام حقيقة الوضع ولو عن استحياء كما أن حديثه عن تحقيق الأمن الدائم للفلسطينيين والإسرائيليين يعتبر جديدا حيث عادة ما كان يتردد القول عن حق إسرائيل فى العيش فى أمان وحق الفلسطينيين فى العيش فى دولة صالحة للحياة

اجتمع مجلس الأمن فى نيويورك لبحث الأوضاع فى غزة بناء على طلب الأمين العام لجامعة الدول العربية لبحث هذه الأوضاع، وطبعاً فإن الكثيرين يبحثون عن إيقاف لإطلاق النيران، وعبر بان كى مون ــ السكرتير العام للأمم المتحدة ــ عن موقفه من الأوضاع، وقد قال الكثير، ويشتمل هذا الكثير على حقائق وآراء، كما يشتمل أيضا على ما اعتبره مغالطات ناجمة عن تجاهل أصل الصراع وما وصل إليه، بل إنه يشتمل فى الحقيقة على تجاهل لقرارات الأمم المتحدة نفسها. لذا فإنى أعتبر أن ما صدر حتى الآن، وما سيصدر عن الأمم المتحدة، بل والأطراف الأخرى بخصوص هذه القضية يغيب عنه قرار متأخر على الأقل سبعا وخمسين سنة.

قال السكرتير العام للأمم المتحدة بان كى مون إن الوضع فى غزة وإسرائيل يواجه خطر التصعيد الشامل، وإن احتمالات تنفيذ عملية عسكرية برية مازالت قائمة وإن كان من الممكن تجنبها إذا أوقفت حركة حماس إطلاق الصواريخ. هنا يتجاهل السكرتير العام فى بداية حديثه أصل المشكلة، كما يتناسى واجب الأمم المتحدة التى هو سكرتيرها العام وقراراتها، صحيح أن الوضع يواجه خطر التصعيد، لكن حينما يتحدث عن إمكان إيقاف التصعيد بإيقاف حركة حماس إطلاق الصواريخ فإنه يحاول علاج العرض بدلا من علاج المرض، فإطلاق الصواريخ ناجم عن استمرار الاحتلال الإسرائيلى مخالفا لقرارات مجلس الأمن 242 و338 واستمرار حصار قطاع غزة، وفشل المفاوضات فى إيجاد حل نهائى، لذا فإن أى تجنب للتصعيد إنما يكون بعلاج هذا الوضع بإنهاء الاحتلال وفك الحصار فورا، وليس إيقاف إطلاق الصواريخ، لأن إيقافها يترك الأمر معلقا إلى ما شاء الله.

أما قول بان كى مون «الأمر الأكثر إلحاحا أكثر من أى وقت مضى هو محاولة إيجاد أرضية مشتركة للعودة إلى الهدوء وتفاهم وقف إطلاق النار. مرة أخرى يدفع المدنيون ثمن استمرار الصراع. إن همى الأكبر هو سلامة ورفاه جميع المدنيين، بغض النظر عن مكان وجودهم. يؤلمنى، ويجب أن يؤلمنا جميعا، أن نعيش مرة أخرى الظروف التى تذكرنا بالحربين الأخيرتين فى غزة» ففيه كثير من الصحة، فالمطلوب هو قاعدة تؤدى إلى الهدوء. لكنى أرى أن هذا الهدوء لن يكون إلا بتحقيق السلام، والسلام لن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال الصهيونى وتنفيذ حق العودة للاجئين الفلسطينيين، فإذا كانت الأمم المتحدة حريصة حقيقة على سلامة ورفاه المدنيين فهذا يتطلب احترام حقوق الجميع وعلى رأسهم حق الشعب الفلسطينى فى الحرية والعودة إلى أرضه وفى إنهاء الحصار الظالم وفى إيقاف ما يتعرض له هذا الشعب من إهانة وسوء معاملة وتعذيب. كما أن حديث السكرتير العام عن خوفه من تكرار الظروف التى تذكره بحروب غزة السابقة يجب أن يدعوه ويدعو مجلس الأمن لئلا يقف عند الحروب، وإنما يوقف الأوضاع المتدهورة للشعب الفلسطينى تحت الاحتلال وتحت الحصار فى قطاع غزة. حاول بان أن يبدو منصفا بإدانة إطلاق الصواريخ من ناحية وإدانة استخدام القوة المفرطة ضد الفلسطينيين من جهة أخرى، لكن ذلك يبدو مساواة بين الجزار والضحية، وبين الظالم والمظلوم، والظلم هو السبب الرئيسى فى تهديد السلام والأمن، وكان يجب أن يربط بين إيقاف إطلاق الصواريخ وإنهاء الحصار والاحتلال.

اقترب بان من الحقيقة حين قال: «إنه أحد أهم الاختبارات التى تواجهها المنطقة فى السنوات الأخيرة. أكثر من أى وقت مضى يدعو الوضع إلى التفكير الجرىء والأفكار الخلاقة. يتعين أن نسعى لاستعادة، ليس فقط الهدوء ولكن أيضا الأفق السياسى من أجل الغد. يجب على الأطراف أنفسها والشركاء الإقليميين والمجتمع الدولى فعل كل ما يمكن لاستئناف المفاوضات ذات المغزى باتجاه تحقيق حل الدولتين». كما شدد بان كى مون على ضرورة أن يعترف الجميع بأن اتفاق السلام هو الوحيد الذى سيحقق الأمن الدائم للفلسطينيين والإسرائيليين. هنا مربط الفرس حيث أدرك السكرتير العام حقيقة الوضع ولو عن استحياء كما أن حديثه عن تحقيق الأمن الدائم للفلسطينيين والإسرائيليين يعتبر جديدا حيث عادة ما كان يتردد القول عن حق إسرائيل فى العيش فى أمان وحق الفلسطينيين فى العيش فى دولة صالحة للحياة، أى أن أحدا لم يكن يعترف بحق الفلسطينيين العيش فى أمن، فهل يتغير الوضع وتتغير اللهجة؟ هل تتغير لهجات الدول لتتبع خطى السكرتير العام؟ أم أن السكرتير العام سيرتد إلى موقعه القديم لينكر حق الشعب الفلسطينى فى عيش فى أمان؟ وهل يصدر مجلس قراره الغائب أكثر من ستين سنة بعودة حقوق الشعب الفلسطينى إلى أصحابها؟.

خبير سياسى واستراتيجى