رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يا رئيس الجمهورية.. لا تفترض حُسن النية


هل يمكن لمن تعود أن يأخذ فقط لعشرات السنين أن يتعود العطاء فجأة؟ هل يمكن لمن تركوا ضميرهم ينام حتى لا يحاسبهم على جشعهم وطمعهم والاستفادة من مناصبهم العليا فى الدولة فى التربح والتكسب غير المشروع، أن يصحو ضميرهم فجأة؟ هل يمكن لمن استولوا على أراضى الدولة بأبخس الأثمان دون وجه حق وجعلوا مؤسسات الدولة عزبا مملوكة لهم يديرونها لمصلحتهم ويورثونها لأولادهم وأقربائهم دون وجه حق، هل يمكن أن يعودوا إلى العمل باللوائح والقوانين ويسيروا على الصراط المستقيم

؟ هل يمكن لمن تربى على الفهلوة والنهب والسرقة و«شيلنى وأشيلك، تراعينى قيراط أراعيك قيراطين» هل يمكن أن يرضى بالطرق المشروعة فى العمل والحياة؟

هل يمكن أن يرضى التجار الجشعون الطامعون الذين يربحون من 100% إلى 200% أن يرضوا بربح معتدل مثل كل التجار فى كل بلدان العالم الرأسمالى الذين لا يزيد هامش ربحهم عن 25% إلى 35%؟ هل يمكن لرجالات النظام المخلوع الذين وصل إسرافهم إلى حد السفه فى معيشتهم وحفلاتهم التى تتكلف فى ليلة واحدة ما يكفى لإطعام مئات من الأسر لعدة أشهر، هل يمكن أن يعطوا نسبة ولو ضئيلة من أرباحهم المتراكمة لتنمية البلد أو لتشغيل ملايين المتعطلين؟ هل ممكن لمن يأكلون أكلا طازجا يجىء بالطائرة من مطاعم أوروبا ويسكنون فى كمبوندات بها حمامات سباحة وملاعب جولف تستهلك مياهاً تكفى لرى مئات الأفدنة وشرب آلاف الأسر التى لا تجد ثمن جركن من المياه النظيفة يروون بها عطشهم؟

هل يمكن أن يفكر كل هؤلاء فى أسر الغلابة الذين يأكلون من الزبالة ويعيشون عيشة لا آدمية فى العشوائيات غارقين فى مياه المجارى؟ هل يمكن لمن تعود على بلطجة فرض الأسعار المرتفعة وتحميلها للمواطن الغلبان أن يمتنع فورا ويصبح ملاكا ويتحمل هو وأسرته جزءا من التقشف؟ هل يمكن لمن يصل دخلهم السنوى إلى المليارات، ويتهربون من دفع الضرائب المستحقة للبلد أن يشاركوا فى بناء وتنمية البلد؟ هل يعلم المسئولون فى الدولة أن كل هذا الثراء يكون على حساب مص دم وقوت فقراء مصر، كما قال الإمام على بن أبى طالب «ما أظن إلا أن غنى هذا من فقر ذاك»؟

ياسادة من لا أخلاق ولا ضمير ولا قيم ولا انتماء ولا عطاء عندهم لن يتغيروا فجأة، لن يحسوا فجأة بوطن جريح يعانى اقتصاديا ويعانى معظم شعبه من الفقرالمدقع. بالطبع هناك رجال أعمال شرفاء وطنيون يشاركون فى التنمية ويوظفون أموالهم فى مشروعات تعمل على تشغيل عدد من المتعطلين، وقلوبهم على مصر. ولكننى اتكلم عما حدث فى عهد آل مبارك من تزاوج للسلطة مع رأس المال.

يارئيس الجمهورية هؤلاء لن يؤثر فيهم التعامل بحسن النية والقدوة الحسنة واستدعاء ضمائرهم؟ فلا تتخيل أنهم فجأة سيتغيرون ويتفهمون ظروف البلد وسيردون لبلدهم الجميل. إننا نريد سن قوانين وتشريعات ملزمة للجميع فلا مجال لترك الأمور لحسن النية. على الجميع الالتزام بدفع الضرائب، وعلى الحكومة إقرار الضرائب التصاعدية وتنفيذ الحد الأقصى للأجور دون استثناء ودون استسلام لمعارضة أصحاب الامتيازات. على الدولة ضبط الأسعار والأسواق وإلزام المنتجين بها وبهامش ربح معقول. إننا نريد علاجا للأزمة الاقتصادية يتحملة كبار الأثرياء أصحاب الدخول العليا. آن الأوان لأن يدفع هؤلاء الفاتورة، فالمواطنون الفقراء ليس عندهم شىء باق حتى يساهموا به، ورغم ذلك «ماتهونشى غير على الغلبان».

هل تعلم يارئيس الجمهورية أن العامل الذى لا يزيد دخله عن بضعة جنيهات هو الذى يدفع ضرائبه ليساهم فى بناء بلده، ولكن أصحاب ودائع البنوك لن يضحوا بجزء من أرباحهم على صورة ضرائب، بل قد يصفى البعض منهم أعماله ويذهب إلى بلد آخر يعيش فيه حياة رغدة بالملايين التى أخذها من خير مصر ومن عرق أبنائها. والآن وبعد قرارات رفع الدعم عن الطاقة غير المدروسة سيستغل التجار الظروف لرفع الأسعار بنسب عالية ليحملوا المواطن عبئا مضاعفا. يارئيس الجمهورية العدالة الاجتماعية تحتاج إلى إرادة سياسية لقرارات حاسمة جريئة شجاعة لتحميل كبار الأثرياء عبء الأزمة الاقتصادية مع عدم إصدار قرارات تطول الفقراء والمساكين فى هذه الفترة.

يا رئيس الجمهورية.. القرارات الجريئة تحتاج إلى جهاز قوى لمتابعة تنفيذ هذه القرارات وإلزام كبار التجار ومحتكرى السوق بها، مع توقيع عقوبات صارمة على من لا يلتزم. يارئيس الجمهورية إذا كان ولابد من قرارات مؤلمة لحل الأزمة الاقتصادية فليكن البدء بالشرائح العليا وحدها أولا. يارئيس الجمهورية قبل إصدار القوانين واتخاذ القرارات لابد من مناقشتها مع جميع الأجهزة الحكومية المعنية ومع المواطنين أصحاب المصلحة ومع المجتمع المدنى. هل يمكن إصدار قرارات رفع الدعم عن الطاقة قبل مناقشة كل آثارها الجانبية مع خبراء الاقتصاد وجهاز حماية المستهلك وجهاز منع الممارسات الاحتكارية والمحليات وأصحاب وسائل النقل والسائقين ومباحث التموين؟

أليس توفير سلع الاستهلاك الشعبى عن طريق الدولة قبل تلك القرارات هو خير ضمانة ألا يستغلها التجار لرفع مبالغ فيه فى الأسعار؟ يارئيس الجمهورية أين فريقك الرئاسى ومعاونوك الذين ينحازون لفقراء هذا الشعب وينحازون لمصلحة بناء هذا الوطن. يا رئيس الجمهورية إن الشعب الذى انتخبك بأغلبية ساحقة ليس عنده ما يعطيه غير العزيمة والعمل والأمل، لكنه محتاج إلى لقمة عيش تعينه على الشقاء والعمل وهدمة تستره؟