رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التحرش يا وزير التربية!


فلا يرون فى المرأة سوى كائن جنسى أو كائن خلق للخدمة المنزلية، وليس زميلة وأختا وصديقة تمضى مع الرجل كتفا بكتف لخلق حياة جديدة. نحن أحوج ما نكون لإعادة تربية أبنائنا بدءاً من المدرسة بكتب ومناهج وأغنيات وقصائد وروايات وأفلام تغرس الوعى بقيمة المرأة ودورها

التحرش قضية مركبة ذات أبعاد مختلفة، ولهذا فإن مواجهة التحرش تستلزم أيضا حلولا عديدة تترافق مع بعضها البعض. من الناحية القانونية لابد من تغليظ العقوبات، وتحديد أشد دقة لمفهوم التحرش. من الناحية الاجتماعية لابد من نشر الوعى بوضاعة التحرش وذلك عبر التليفزيون أساساً لأنه يشكل المصدر الرئيسى لثقافة العامة. إلا أن جذور التحرش ستظل ممتدة ضاربة فى أرض أخرى وأعنى التربية والتعليم، ولا يمكن بتر هذه الجذور إلا بتربية أخرى. لابد من وضع منهج تربوى يتضمن كتبا وأفلاما قصيرة وقصائد وتاريخاً تؤكد وترسخ للتلاميذ الصغار حقيقة أن المرأة هى أخت وأم وزميلة ومواطنة وصديقة.. أقول هذا لأننى أرى أنه فى اللاوعى لدى معظم أبنائنا تربض نظرة استهانة صغيرة أو كبيرة بالمرأة. وقد آن الأوان لتغيير تلك النظرة بالتربية، باستحداث مادة تشتمل على قصيدة صلاح جاهين الجميلة «البنات ألطف الكائنات»، وقصيدة حافظ إبراهيم العظيمة الشهيرة عن نساء ثورة 19» فطلعن مثل كواكب يسطعن فى وسط الدجنة.. وأخذن يجتزن الطريق ودار سعد قصدهن». ولابد لتلك المادة المستحدثة أن تشتمل أيضا على كل الآيات التى تنص على احترام المرأة فى القرآن الكريم والانجيل وهى كثيرة، وعلى موجز أو النصوص الكاملة من الروايات والأعمال الأدبية التى تبرز دور المرأة فى التاريخ والكفاح المصرى مثل رواية «الباب المفتوح» للطيفة الزيات، ومسرحية «جميلة بوحريد» لعبدالرحمن الشرقاوى وسيرة حياة النساء العظيمات فى العالم مثل الكاتبة هارييت بيتشر سو التى كتبت رواية «كوخ العم توم» دفاعاً عن حرية ملايين العبيد الزنوج، وما إن نشرت روايتها عام 1852 إلا وأشعلت روح الحرية فى العبيد، وعندما التقى بها الرئيس الأمريكى لينكولن قال لها «أنت إذن المرأة الصغيرة التى أشعلت حربا كبيرة»، وسيرة حياة «لاريسا رايسنر» التى أعطت إشارة انتصار الثورة الروسية عام 1917، وكانوا يطلقون عليها المرأة الأسطورة. وأن تتضمن تلك المادة سيرة النساء المصريات اللواتى كن يقدن المظاهرات والاحتجاجات عبر تاريخ الكفاح الوطني، وفى مقدمتهن شهيدات 25 يناير: رحمة محسن، وزكية محمد، ومريم مكرم، ومهير خليل زكي، وهدى صابر، وسالى مجدى زهران، وأميرة اسماعيل، ورشا جنيدي. لابد أن تستقر فى وعى التلاميذ الصغار صورة شفيقة محمد أول شهيدة فى ثورة 19 ومعها حميدة خليل، وصورة د. سميرة موسى أول عالمة ذرة مصرية. لابد أن تستقر فى وعى التلاميذ منذ الصغر صورة لطيفة النادى أول قائدة مصرية لطائرة عام 1933. لابد لضمائر الصغار أن تتشبع بالدور الاجتماعى الذى قامت به هدى شعراوى، والدور الأدبى الكبير الذى قامت به قوت القلوب الدمرداشية وعائشة التيمورية وغيرهن. من دون تربية جديدة ستظل نظرة الاستهانة بالمرأة كامنة فى وعى الصغار، فلا يرون فى المرأة سوى كائن جنسى أو كائن خلق للخدمة المنزلية، وليس زميلة وأختا وصديقة تمضى مع الرجل كتفا بكتف لخلق حياة جديدة. نحن أحوج ما نكون لإعادة تربية أبنائنا بدءاً من المدرسة بكتب ومناهج وأغنيات وقصائد وروايات وأفلام تغرس الوعى بقيمة المرأة ودورها.

كاتب وأديب