رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد السيد عيد: انزعاج «الإخوان» من «الحشاشين» طبيعى لأنه كشفهم.. والمسلسل دفع الناس للاطلاع والتثقيف

محمد السيد عيد مع
محمد السيد عيد مع د. محمد الباز

قال محمد السيد عيد، الكاتب والسيناريست الكبير، إن الإنتاج الضخم والتنفيذ المحترف لمسلسل «الحشاشين» لا يجعلانه فقط يضاهى المسلسلات السورية، بل الأعمال العالمية، موجهًا الشكر والتحية للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، على توفيرها أرقى الإمكانات لخروج العمل بهذه الصورة المشرفة.

وأضاف «عيد»، خلال حواره مع الدكتور محمد الباز، عبر برنامج «الشاهد»، على قناة «إكسترا نيوز»، أن إنتاج مسلسل «الحشاشين» كانت له ميزات عديدة، أبرزها أنه دفع الناس إلى العودة للقراءة والاطلاع والتثقيف، حول هذه الطائفة وأفكارها المسمومة بشكل يغذى وعى المواطنين.

وكشف عن أنه يتمنى تقديم تاريخ مصر من خلال التليفزيون مثلما تم تقديمه فى صورة كتب ومؤلفات تاريخية، لافتًا إلى أنه كتب تاريخ البلاد دراميًا حتى سنة ١٩٥٠، ويطمح إلى أن يقدم شخصية «ابن رشد» فى عمل درامى.

جدير بالذكر أن محمد السيد عيد قدم نحو ٧٨ مسلسلًا إذاعيًا، وأكثر من ٣٠ سهرة وعشرات البرامج، وغيرها من الأعمال والمؤلفات التى حاز عنها الكثير من الجوائز، كجائزة أحسن كاتب سيناريو فى مهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون، ومن أبرز أعماله مسلسل «الإمام الغزالى» و«الزينى بركات».

■ بداية.. هل هناك فرق بين الدراما التاريخية والدراما المستوحاة من التاريخ؟

- الدراما المستوحاة من التاريخ هى محاولة للهروب من الالتزام بالتاريخ، والتاريخ به نوعان من المعلومات، الأول معلومات مؤكدة متفق عليها، والثانى مسكوت عنها، فالمتفق عليه أكون ملتزمًا به، لكن المسكوت أو المختلف عليه، هى الحادثة المعينة التى يفسرها كل شخص بشكل ما، فهنا أنتقى التفسير الذى يروق لى، فالمختلف عليه فى التاريخ أمر متروك للمعالجة الدرامية.

وهذا الجزء المسكوت عنه أملؤه بالشكل الذى أريد، أما المتفق عليه فيجب الالتزام به، كما أن بعض الشخصيات لا نلتزم بتفاصيلها بشكل حرفى، فقد يكون لدينا شخصية تاريخية مختلف حول اسم زوجته، وبالتالى يمكن للدراما أن تسميها ما تشاء، لكن المعلومات والأمور المتفق عليها يجب أن نلتزم بها.

والمخرج يوسف شاهين فى فيلم «المهاجر» لم يكن يريد الالتزام بقصة سيدنا يوسف، وهنا نجد فكرة «المستوحى من»، وهى محاولة الهروب من الالتزام التاريخى أو الالتزام الدينى الذى نتعامل معه، ويظل العمل فى شكله الدرامى.

ومجال التاريخ دائمًا شائك، والناس يصدقون ما يشاهدونه على الشاشة، ويكون بالنسبة لهم أمرًا مسلمًا به، هذا الأمر قديم وبدأه أيضًا يوسف شاهين فى فيلم الناصر صلاح الدين، فى شخصية والى عكا، وأداها الفنان توفيق الدقن وظهر على أنه رجل خائن وتآمر مع الصليبيين، وهذا الأمر غير صحيح، والحقيقة أن والى عكا كان اسمه «قراقوش»، وكان حاكمًا وقائدًا عسكريًا عظيمًا، ومن رجال صلاح الدين الأوفياء، ولم يخنه أبدًا.

لكن يوسف شاهين أراد أن يصنع دراما معينة تحيل إلى شخص معين على خلاف مع القيادة السياسية فى مصر حينها، لذلك وظّف هذه الشخصية بهذا الشكل، وحينما نكتب التاريخ يجب أن نعرّف الناس بمصدر المعلومات.

■ كانت لديك تجربة فى معالجة قصة «الحشاشين» ضمن مسلسل الإمام الغزالى.. كيف جاءتك الفكرة؟

- الفكرة جاءتنى من حوادث الإرهاب فى فترة التسعينيات، وقررت معالجة القضية لأننا كنا نعيشها، وفى العادة، حينما يلجأ الشخص للتاريخ، فإنه لا يلجأ إليه للاطلاع أو للتسلية، ولكنه يلجأ إليه أيضًا كى يعالج الحاضر، فنختار من التاريخ ما يلقى بظلاله على الحاضر، فاخترت الإمام الغزالى لأنه عاصر أخطر فرقة إرهابية فى التاريخ الإسلامى كله، وهى «الحشاشين»، كما أنه وحسن الصباح من بلد واحد اسمه «طوس»، ومنه انحدر أيضًا نظام الملك، ووجدت أنه من المناسب أن أجعل الإمام الغزالى هو الشخصية الرئيسية، وليس حسن الصباح، لأننى كنت أريد إلقاء الضوء على الإرهاب ومن يتصدى له.

ومن المعلوم أن «الغزالى» ألف كتابًا مهمًا للغاية وهو «فضائح الباطنية»، وكان حسن الصباح هو البطل المعادى للإمام فى المسلسل، وطرحت الأفكار، والرد عليها.

وكتاب «فضائح الباطنية» أهم كتاب لـ«الغزالى»، وكان معاصرًا لتلك الفرقة، وبالتالى حينما يكتب، فإنه يكتب عن تجربة ومعرفة، ومن هنا وضعت «الغزالى» الشخصية الرئيسية، والمقابل لها هو حسن الصباح، وطرحت الأفكار والرد عليها.

كما شرحت فكرة التكفير، فـ«الغزالى» له كتاب أيضًا يسمى بـ«فيصل التفرقة بين الإيمان والزندقة»، يقول فيه «يجب ألا يكفر أحد الآخر»، وهنا رددت على فكرة التكفير، بتبيين كل ما يتعلق بالباطنية من خلال كتاب الغزالى، ومن خلال ممارسات حسن الصباح، حيث وجدت الأخير يقول «اعرف إمامك، ومعرفة الإمام تغنى عن التكاليف الشرعية»، فحسن الصباح جلب فتى زعم أنه من نسل على بن أبى طالب، وأقنع أتباعه بأنه الإمام، وهو من يتحدث باسمه.

كما بينت أن حسن الصباح كان يجب أن يعتمد على أناس جهلاء، فبدأ حركته باستقطاب أناس مستوى تعليمهم متدن وحالتهم المادية ضعيفة، وبدأ حركته فى هذه الأوساط، وحرصت على تقديم عمل يفهمه الناس ولا يكون صعبًا عليهم.

■ كيف جاءت فكرة إنتاج «الإمام الغزالى»؟

- طرحت فكرة إنتاج مسلسل «الإمام الغزالى»، وعرضت النص على المنتجين، وحينها تواصل معى منتج سورى وقال لى «أنت جيبت الكلام ده منين.. فى كتب بهذا الكلام اللى أنت كاتبه ده» فقلت له «بالطبع هناك كتب».

وطلب منى المنتج السورى مثالًا، فقلت له كتاب دائرة المعارف الإسلامية، ففوجئ، وقال لى أنتجنا مسلسلًا اسمه «عمر الخيام»، والباطنية موجودون فى سوريا، ويستخدمون صور الممثل الذى جسد شخصية حسن الصباح، باعتباره الشخصية الحقيقية.

وتراجع المنتج عن فكرة إنتاج المسلسل، لأن عرض شخصية حسن الصباح بالشكل الحقيقى، يعرضه للقتل من الباطنيين، فقال لى «إن ما كتبته عن الصباح كان مختلفًا عما جاء فى المسلسل السورى.. مقدرش أعمل ده، لو عملت ده يقتلونى فى سوريا»؛ فقلت له «متعملهوش.. وعملناه فى مصر».

وحسن الصباح هو النموذج الذى تقتدى به الجماعات الإرهابية فى الوقت الحالى، وكلها تسير على ذلك الكتالوج الخاص به، ولما كتبت «كان قصدى أكشف ده وربنا هو اللى حدد التوقيت لعرض المسلسل».

ولم أشاهد رد فعل من الجماعة الإخوانية بعد عرض «الإمام الغزالى»، وأعتقد «محدش اتعرضله بخير ولا بشر منهم، فى الفترة دى من رمضان ٢٠١٢»، لأنه كان قد مر ١٠٠ يوم على حكم الإخوان، وكانت الناس قد بدأت تسأل عن إنجازاتهم، فانشغلوا عنه بالأمور السياسية.

وبالنسبة للخيوط الأساسية للشخصية وملامحها، رأيت «الصباح» رجلًا براجماتيًا وشخصية خبيثة، وكان مثقفًا ثقافة واسعة، ولديه علم جيد، لكن كيف يوظف ذلك العلم، كان يوظفه لصالح مصالحه الشخصية ويستغل الدين لإقامة دولة، وركزتُ على هذه النقطة، وأفكاره كانت بعيدة عن الإسلام تمامًا، وأظهرت مسألة «اعرف إمامك» و«إسقاط التكاليف»، من خلال المسلسل، وأظهرت عنفه وكيف كان يتواصل مع الصليبيين فى سبيل تحقيق هدفه.

وكنت أركز على كشفه و«مكنتش بقول أفكاره وبس، كنت بكشفه أكتر من خلال الغزالى»، ونسجت شخصية تانية أسهمت فى كشف «الصباح، وهى «على»، وكان زميلًا لـ«الغزالى»، ويحقد عليه، فى الوقت الذى لمع فيه نجم الأخير، الأمر الذى اضطره للانضمام إلى «الباطنية»، لكن بعد قليل «اكتشف البلاوى بتاعتهم»، وقرر ترك تلك الأفكار، بعد إنجاب طفله، لرفضه أن ينشأ وسط كل هذا التلوث الفكرى.

مراتب الدعوة التى كانت عند «الباطنية»، يوجد مثلها عند «الإخوان»، وشخصية البطل الذى ارتمى فى أحضان الباطنية، ضمن أحداث المسلسل، كانت وصلت لمرحلة الدعوة، فأخذ الكتب الخاصة بهم، وأعطاها لـ«الغزالى» لفلترة فضائح «الباطنية»، وتلك هى العناصر التى اهتممت بها، مثل أنه أستاذه كان اسمه عبدالملك بن عطاش، وهو من علمه، واهتممت بهذه الشخصية تاريخيًا، ولكن هناك مواقف تدخلت فيها الدراما، «زى موقف كده رسمناه عن إن حسن الصباح طلب من معلمه أن يقبل يده»، تجسيدًا للتضخم الأنوى الذى وصل إليه.

وهناك أجزاء فى قصة الحشاشين مسكوت عنها، وهذا يدفعنى للتصرف فيها بحرية، ولكن دون مخالفة التاريخ، لكنى تصرفت لأن التاريخ به فجوات، ومن حق الكاتب أن يملأها لكشف العديد من الأمور وأسباب حدوثها، ومن حق الكاتب إدخال خياله، ولى كتاب عن «فن السيرة»، أبين خلاله أننى لا أقدم كتاب تاريخ، أو وثيقة تاريخية، ولكن أقدم التاريخ إضافة إلى رؤية الكاتب وخيط الدراما، وهى عناصر تكمل العمل.

■ ماذا عن إشكالية تقديم العمل التاريخى باللغة العامية؟

- أنا أول كاتب يستخدم العامية فى مسلسل تاريخى وهو «الزينى بركات»، وهذا تسبب فى مشكلة بينى وبين مخرج العمل يحيى العلمى، ولم أستكمل كتابة المسلسل، لكن الكاتب جمال الغيطانى تدخل للصلح بيننا، وقلت له «أنا مش هغير اللغة»، وهو قبل على مضض، ولكن فى أثناء العمل، حدثنى وقال لى «أنت عندك حق اللغة مستواها رفيع»، والناس لما كتبت عن المسلسل كتبت عن السيناريو والحوار.

والمسلسل هو من يحدد لغته، وهناك أكثر من عامل يتدخل فى الاختيار بين العامية والفصحى، مثل البلد الذى تدور فيه الأحداث، وكل زمان له لغته، واللغة تتغير فى كل زمن، حتى اللغة المستخدمة الآن فى مصر، ليست هى ما استخدمها الناس فى القرن الثامن عشر أيام محمد على، حتى إن العامية تأثرت كثيرًا ودخل عليها العديد من المصطلحات.

واستخدام «العامية» له سوابق قبل مسلسل «الحشاشين»، فقد قدم المخرج العالمى يوسف شاهين فيلم «المصير» بها، و«مش معنى إن يوسف شاهين اللى استخدمها يبقى الأمر صحيح»، لكن هى وجهات نظر يجب احترامها.

لكنى توقفت عند بعض المدافعين عن استخدام العامية، حيث قال أحدهم إنه لا يوجد أحد يفهم القرآن الكريم لأنه مكتوب باللغة الفصحى، «إيه الخبل ده طبعًا مش للدرجة دى»، لكن يظل الأمر وجهة نظر، وحينما شاهدت العمل كنت أتمنى استخدام اللغة الفصحى البسيطة، التى تصل للمواطن العادى، وهو نوع من أنواع الارتقاء اللغوى بالمشاهد.

■ لماذا انزعج الإخوان من «الحشاشين»؟

- الدراما التاريخية «رجل» فى التاريخ، و«رجل» فى الواقع، ولا بد أن يكون هناك إسقاط على الواقع، خلال كتابتى «الزينى بركات»، كان الحديث عن الوضع المأساوى الذى عاشته مصر وتسبب فى هذه النكسة، ونستطيع ترجمة وإحالة الشخصيات الموجودة فى المسلسل، إلى شخصيات حقيقية معاصرة.

والمسلسل يحكى أنه حين زادت سطوة الأجهزة الأمنية فى عصر المماليك، كانت النتيجة حدوث هزيمة نكراء، وهذا كان يلقى الضوء على أسباب النكسة، و«أنا شايف انزعاج الإخوان من الحشاشين، طبيعى، لأن هناك عملية كشف تحدث»، لأن التفسيرات السياسية للمسلسل لم تنعكس على الإخوان وحدها، ولكن هناك أيضًا تفسيرات تخص الشيعة والسنة، والبعض قال «جايبين بيتر ميمى مخرج للعمل عشان مسيحى».

هذا الانزعاج دخل فى سكك غير منطقية، لكن على أى حال «الحشاشين»، أثار حالة من الحراك والمناقشة والقراءة والجدل، وأناس كثيرون قرأوا عن حسن الصباح وطائفته، والمسلسل أدى مهمة، كما يجب أن يكون، من حيث تحفيز المشاهدين على التثقيف.

وبيتر ميمى «عامل شغل إخراج هائل وصورة رائعة»، وتوافرت له إمكانات ضخمة، و«هنا لازم أحيى الشركة المتحدة على هذا الإنتاج الذى لم يتم توفيره من قبل».

■ ما رأيك فى تنفيذ المعارك فى «الحشاشين»؟

- كل التحية للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، على إنتاجها السخى وتوفير الإمكانات اللازمة لصناعة المعارك بجودة عالية، فى «الحشاشين».

وفى مسلسل «الزينى بركات» كان المخرج يحيى العلمى قادرًا على صناعة معارك قوية، لأنه درس فى ألمانيا، لكن «مقدرش يعملها عشان فى الآخر شكلها كان هيطلع دون المستوى»، على عكس المعارك داخل المسلسلات السورية.

والذى تم تنفيذه فى «الحشاشين» لا يضاهى فقط الأعمال السورية، بل العالمية.. وأنا أحيى المخرج بيتر ميمى على المسلسل، والشركة المتحدة لأنها وفرت كل هذه الإمكانات، «إحنا مكناش قادرين نخرج وإحنا بنعمل الإمام الغزالى.. مرة راحوا صوروا فى الفيوم، والجمال اتسرقت وحصلت مشاكل»، لكن فى «الحشاشين» سافر الطاقم إلى أكثر من بلد للتصوير فى الأماكن الطبيعية والمناظر الخلابة.

■ كيف ترى عودة مسلسلات الدراما التاريخية؟

- نفذت فى ٢٠١١ مسلسل «مشرفة رجل لهذا الزمان»، وهو عمل تاريخى حديث، ويتحدث عن حياة العالم المصرى الراحل الدكتور على مصطفى مشرفة، ويرصد الصعوبات التى واجهها فى عمله إلى أن تم قتله، وأيضًا فى عام ٢٠١٢ قدمت «الإمام الغزالى»، وكان مسلسلًا تاريخيًا إسلاميًا، ومن بعدها توقفنا فى كتابة المسلسلات التاريخية، حتى ٢٠٢٣، حيث تم تقديم مسلسل «الإمام الشافعى».