رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

د. فاتن الشيخ: «الحشاشين» دقيق تاريخيًا ومبهر فنيًا ورفع وعى الناس فى مواجهة الأكاذيب والأباطيل

الدكتورة فاتن الشيخ
الدكتورة فاتن الشيخ

- أستاذ التاريخ الإسلامى قالت إن صنّاع العمل بذلوا جهدًا كبيرًا للالتزام بالتفاصيل خاصة فى الأسلحة والمعارك

- استخدام العامية المصرية مناسب لرسالة المسلسل وأحداثه الصعبة حتى على المتخصصين 

- المصريون هم مَن أطلقوا على أتباع «الصباح» لقب «الحشاشين» 

- ضعف الدول الإسلامية فى ذلك العصر وراء انتشار الأفكار والطوائف المرفوضة من السُنة والشيعة معًا

- الصباح كان عالمًا ماهرًا فى الفلك والرياضيات والتنجيم لكنه استخدم علمه لخدمة الشر

أشادت الدكتورة فاتن الشيخ، أستاذ الحضارة والتاريخ الإسلامى، بمسلسل «الحشاشين»، الذى وصفته بأنه مبهر فنيًا ودقيق تاريخيًا، ويستحق أن نرفع له القبعة، مؤكدة أن صناع المسلسل بذلوا جهدًا كبيرًا للالتزام بالتفاصيل التاريخية، رغم أن الأحداث تتناول فترة صعبة حتى على الدارسين والمتخصصين.

وأشادت، خلال حديثها للموسم الجديد من برنامج «الشاهد»، تحت عنوان «شهادات خاصة على الإخوان- الحشاشين»، والذى يقدمه الإعلامى محمد الباز على قناة «extra news»، باستخدام المسلسل العامية المصرية، التى أسهمت فى إيصال رسالته إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور، ورفع وعى الشباب فى مواجهة الأكاذيب والأباطيل، منوهة بأن ضعف الدول الإسلامية فى ذلك العصر وراء انتشار الأفكار والطوائف المرفوضة من السُنة والشيعة معًا.

■ بداية.. كيف استقبلت الإعلان عن صناعة مسلسل تاريخى مثل «الحشاشين»؟ 

- فى الحقيقة، منذ علمت أن هناك مسلسلًا تاريخيًا مصريًا سيعرض فى شهر رمضان سعدت كثيرًا وفرحت جدًا كمصرية ومتخصصة فى التاريخ، لأن الصنعة تحكم، كما أن هذا الأمر جاء بعد سنوات من الغياب.

وعندما شاهدت المسلسل وجدته مليئًا بعناصر الإبهار، وحلقاته جذبتنى واحدة تلو الأخرى، كما بدأت أدقق فى تفاصيل الحلقات عند مشاهدتها.

■ ما موقفك من الجدل الدائر حول استخدام العامية فى المسلسل التاريخى؟

- المسلسل استخدم العامية المصرية الراقية التى ليس بها أى شىء صعب، ولم يستخدم العامية الركيكة، ونحن نرى مسلسلات تركية تدبلج باللهجة السورية، كما رأينا من قبل مسلسلًا عن يوسف الصديق باللغة الفارسية، فلماذا لا نقدم شيئًا بالعامية المصرية التى نفخر بها؟ خاصة أن المسلسل يقدم رسالة مهمة ويدور عن عصر صعب حتى على المتخصصين، وأحداث شائكة ومتشعبة، ولم يكن ليُفهم إلا بالعامية المصرية التى قُدم بها، كى يعرف المصريون حقيقة هذه الطائفة.

■ هل التزم المسلسل بالوقائع التاريخية المعروفة عن طائفة «الحشاشين»؟

- بالطبع، فالمسلسل التزم بالحقيقة التاريخية، ورغم أننى عندما بدأت مشاهدة المسلسل لم أكن أنظر إليه بعين الناقد، لأننى سعدت به جدًا كمشاهدة، إلا أننى عندما تعمقت فى مشاهدة الحلقات لم أجد بها أى خطأ فى السرد التاريخى، وشعرت بأن فريق العمل بأكمله، من أول التأليف مرورًا بالإخراج والديكورات، عاش فى ذلك العصر الشائك.

ونحن فى ذلك العصر نتحدث عن أكثر من دولة، فهناك أتراك وفرس ومصريون وغيرهم، باختلاف مذاهبهم، كما أن هناك أيضًا «فرنجة»، سواء من الروم الشرقيين البيزنطيين أو من بعدهم من الممالك الأوروبية، لأن هذه الفترة كان بها زخم كبير جدًا.

■ كمتخصصة.. كيف بدأت طائفة «الحشاشين» وما أثرها الحقيقى فى التاريخ؟

- لدينا إرهاصات تاريخية عن بداية هذه الطائفة، لكن لا نستطيع أن نقول بشكل قاطع ما هو الوقت أو الساعة التى بدأت فيها هذه الطائفة فى الدولة الإسلامية، لكننا نعرف أنها ظهرت بشكلها الشرس مع وفاة الخليفة المستنصر بالله الفاطمى، وبعد أن جاء حسن الصباح إلى الخليفة الفاطمى قبل وفاته ليأخذ منه البيعة ويعرف من سيخلفه من بعده، فأخبره الخليفة بأن يبايع ولده «نزار» من بعده، كما شاهدنا فى حلقات المسلسل، ومن هنا ظهر من يطلق عليهم «النزارية»، أو من لُقبوا بـ«النزاريين» أو الشيعة الإسماعيلية النزارية.

وحسن الصباح صنّف نفسه على أنه باطنى، بمعنى أن كل ما نعرفه ليس هو الحقيقة، لأن الأمور لها ظواهر وبواطن، ومن هنا بدأ فكر طائفة «الحشاشين» فى الانتشار الواسع.

■ ما الأسباب التاريخية التى أدت لظهور هذه الطائفة؟

- فى ذلك الوقت، كانت هناك الخلافة العباسية المعروفة فى بغداد فى هذه الفترة، أو ما يعرف فى التاريخ بالعصر العباسى الثانى، والتى سُميت بهذا الاسم تاريخيًا لضعف خلفاء هذا العصر.

فمع خلافة المتوكل على الله العباسى، يقال إن والدته كانت من الأتراك، فجلب هو الأتراك إلى بغداد وأعطاهم النفوذ والسلطات فى الدولة العباسية، فأصبحت لهم السيطرة دون العرب والفرس، وأدى هذا إلى ضعف الدولة.

وبعد ذلك، ظهرت دولة السلاجقة الأتراك، التى قامت بصولات وجولات، وازداد نفوذهم خاصة بعد الانتصار على البيزنطيين فى موقعة ملاذكرد، التى كادت أن تقضى على الخليفة العباسى، الذى فرح بالانتصار لدرجة أنه منح قائد السلاجقة لقب السلطان، ووضع اسمه وصورته على الدينار العباسى ليشكره على صد الهجوم، ما يشير لمدى ضعف هذا الخليفة.

وفى ذلك الوقت أيضًا، كانت مصر تقع تحت حكم الدولة الفاطمية، أو من كان يطلق عليهم العباسيون اسم «العبيديين»، وهذا ما يشتت بعض حديثى التخرج من المؤرخين، والذين لم يتعمقوا فى دراسة تاريخ هذه الفترة.

وفى هذه الفترة ظهرت طائفة «الحشاشين»، على يد حسن الصباح، الذى لم يكن ينظر إلى خلافة نزار أو غيره بل كان ينظر إلى معتقداته فقط، واستبدل حجة «قميص عثمان» بـ«قميص نزار»، والدليل أنه فى جميع الوثائق والمخطوطات نجد أن حسن الصباح وطائفته وأتباعه كانوا مرفوضين من السنة والشيعة، حتى أن الشيعة الإسماعيلية والشيعة الاثنى عشرية وكل طوائف الشيعة كانت ترفضهم، وقالوا إن «الصباح» ليس «باطنيًا» بل «باطليًا» أو على باطل.

وتاريخيًا يتضح أن هناك دولة أساسية، وهى العباسية السنية، وكانت فى حالة ضعف وسيطرة رجال الدولة من الأتراك وبنى سلجوق، وهم متواجدون فى العراق مع الخليفة، وحامى حمى الخليفة هو ملك السلاجقة، والخليفة العباسى نفسه هو من لقبهم ورفعهم لهذه المكانة، ومع مرور الوقت قاموا بالسيطرة على بلاد فارس وبعض أجزاء من الشام والعراق.

وفى الوقت نفسه، هناك الفاطميون من الشيعة الإسماعيلية فى القاهرة، ولكن ليست لهم علاقة بـ«الحشاشين»، بعد أن خرج «الصباح» من القاهرة، ولم يستطع أن يعود إليها فيما بعد.

■ ما أسباب تسمية تلك الطائفة باسم «الحشاشين»؟

- مؤسس الطائفة حسن الصباح أطلق عليهم لقب «الباطنية»، وعدد من الحكام أطلقوا عليهم لقب «الباطلية»، والتسمية على الأرجح تعود للمؤرخين المصريين، الذين «قفشوا فى الكلمة»، لأن أحدًا لم يكن يستطيع أن يتحدث عنهم بهذه الطريقة فى فارس، وهذا استنتاج تصل إليه من تتبع أمهات الكتب، فـ«المقريزى»، وهو مؤرخ مصرى صميم، بدأ يقول «الحشاشين» وياقوت الحموى أيضًا.

وجماعة «الحشاشين» عمومًا انتهت سنة ٦٥٤ هجريًا على يد هولاكو، والمصادر فى بلاد فارس ودولة السلاجقة ومصادر العصر العباسى الثانى لا تجد بها لفظ «الحشاشين».

■ عدد من المؤرخين قال إن المسلسل به أخطاء تاريخية.. فيكف ترين ذلك؟

- الكمال لله وحده، والفن شىء والتاريخ شىء آخر، وكل علم له أصوله ومصطلحاته، والبعض يسىء للعمل دفاعًا عن التاريخ أو حتى يسىء وهو يدافع عن العمل نفسه، لكن أرى أن المسلسل لم يلو عنق النصوص التاريخية، بل اعتمد على الأحداث الدرامية، وقدم شيئًا من وحى الخيال، وهو عمل جميل، لم يحذف اسم خليفة أو حاكم، بل على العكس، فالكاتب جمع شتاتًا من النصوص والتزم بالسردية التاريخية، وأدخل عليها الفن، وهذا من حق المؤلف، فهو يركز على ما يريد بشرط أن يكون صحيحًا.

والمسلسل اعتمد على الحقائق التاريخية، لكن لا يمكن مثلًا أن تكون كل المشاهد فى القلعة، لأن خيال المؤلف يجب أن يعمل، وهناك مشاهد خيالية يجب أن توضع لأبطال العمل مثلًا وهم يقابلون بعض الأشخاص فى الشارع، كما أن هذه العصور لا يعقل أن تكون بلا مناسبات اجتماعية أو أفراح، ولا يمكن أن نعرف كيف كان الناس يعيشون أو يمشون فى الأسواق.

ومن بين الملاحظات مثلًا استخدام اسم فرنسا أو إنجلترا، لأن هذه ممالك أوروبية موجودة لكن كان اسمها «الفرنجة»، لكن فى المقابل فإن مسألة ارتداء السلطان ملك شاه التاج صحيحة، لأنه من الأتراك وليس من الملوك أو الخلفاء المسلمين، سواء العباسيين أو الفاطميين، فهذه دقة تاريخية من صناع المسلسل، والخوذ كانت متفقة تمامًا مع ذلك العصر، كما أن السلاح الدفاعى، وهو السيف، كان سليمًا تمامًا.

■ كيف رأيت تفاصيل الحروب والمعارك فى بعض الحلقات؟

- صنّاع مسلسل «الحشاشين» بذلوا جهدًا كبيرًا لتخرج المشاهد ملتزمة بتفاصيل الأحداث التاريخية، والأسلحة بها كانت تتوافق مع أنواع السلاح المستخدمة فى تلك العصور، وهذا مجهود وتكلفة كبيرة جدًا.

أما عن تفاصيل المعارك، فقبل الإسلام كان الناس يحاربون بطريقة الكر والفر، أما فى الإسلام فقد كان القتال فى صفوف، ثم عندما جاءت الدولة الأموية فى دمشق كانوا يقاتلون على شكل «كراديس»، وتعبئة الجيش كانت على شكل ميمنة وميسرة ومقدمة والساق أو المؤخرة، والقائد مكانه فى الوسط، كى يسمع كل الجنود تعليماته ويحمونه.

أما السلاجقة فجيشهم يختلف، فهم قد تدربوا فى البلاط العباسى، وهم أبناء التدريبات العسكرية، وكان لديهم الفرسان والرجالة، والرجالة هم المشاة فى المقدمة، ثم يأتى الفرسان من بعدهم، والسيف لدى الفارس يختلف عن السيف لدى الرجالة، والرمح لدى المشاة لا يكون قصيرًا مثل رمح الفارس، وكل هذه التفاصيل الدقيقة كانت موجودة فى المسلسل.

كما أن العباسيين كانوا يستخدمون التعبئة المعنوية أو «الوعاظ»، وهو أمر لم يكن موجودًا فى الدولة الأموية، وهذا أيضًا موجود فى المسلسل.

ودقة هذه التفاصيل ترد على من يقول إن مسلسل «الحشاشين» من وحى التاريخ، لأننا هنا نتكلم عن تاريخ حى، وترجمة حقيقية لأسلحة ومعارك وشكل الجيش وتكتيكات الحرب، وفريق العمل قد نقل الفترة التاريخية كاملة إلى المسلسل بشكل كبير.

■ فى تقديرك.. هل نجح استحضار تاريخ جماعة من القرن الـ١١ الميلادى فى توعية الناس بخطورة أفكار التنظيمات الإرهابية فى القرن الحالى؟

- المسلسل نجح فى توصيل رسالته، وهى رفع وعى الناس فى مواجهة الأكاذيب والأباطيل، فهو مسلسل مصرى تاريخى نرفع له القبعة، ورصد ظاهرة ووباء لم يتحدث عنه التاريخ والمؤرخون إلا بكل ما هو سيئ، فحسن الصباح هاجمه السنة والشيعة.

والمسلسل واستخدامه العامية المصرية أوصل رسالته لكثيرين، حول من يحاولون السيطرة على العقول، أو ما أصبحنا نسميه حاليًا الحروب النفسية، وحروب الجيل الرابع، وعندما التقت كاتب المسلسل أشدت به لأنه خاطب بالمسلسل عقول الناس، خصوصًا الشباب منهم، ووجّه رسالته إليهم.

■ ماذا عن شخصية حسن الصباح؟

- «الصباح» لم يكن إنسانًا ساذجًا، بل كان عالمًا يستخدم العلم فى الشر، ولو بذل نفس الجهد فى الخير لكان له شأن آخر، فهو كان يرى أن كل الناس لا تفهم، وأنه هو من سيقود العالم إلى الخلاص، لكنه كان عالمًا ماهرًا فى الفلك والرياضيات والتنجيم. ومسلسل «الحشاشين» أشار إلى ذلك بالحديث عن الحروف النورانية والأرقام، وأشار إلى طفولة حسن الصباح عندما كان يكتب الأرقام الخماسية والسداسية المرتبطة بعلم التنجيم، الذى خرج من بلاد فارس، أى أنه لم يكن مجرد مريض نفسى، لكنه أيضًا كان يقتل كل من لديه فكر، ويتخلص من كل من يقول للناس إن الدين خير وإعمار، ما جعل جميع المسلمين من السُنة والشيعة يتبرأون منه.